المنتدى التربوي الشامل - علوم بلا حدود
المنتدى التربوي الشامل - علوم بلا حدود
المنتدى التربوي الشامل - علوم بلا حدود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى التربوي الشامل - علوم بلا حدود

منتدى كل العرب والمسلمين لبناء جيل متسلح بالعلم والمعرفة.
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 معوقات التوجيه للمدرس

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
vampire




عدد المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 24/10/2010

معوقات التوجيه للمدرس Empty
مُساهمةموضوع: معوقات التوجيه للمدرس   معوقات التوجيه للمدرس Icon_minitimeالإثنين 01 نوفمبر 2010, 21:39

معوقات التوجيه

إن دور المدرس في التوجيه، وقدرته على التأثير على تلامذته، لا يعني أن يكون المدرس هو وحده في الميدان، وكلمته هي الأولى والأخيرة. فهو لا يعدو أن يكون واحداً من العوامل المؤثرة في شخصية الطالب. وفي كثير من مجتمعات المسلمين اليوم يشعر المدرس وكل من يحمل أمانة التوجيه أنه يواجه تياراً جارفاً، وأنه يسير باتجاه يعاكس كافة وسائل التوجيه والتربية في المجتمع. فقد يتلقى المدرسُ التلميذَ وفق تربية شاذة مخالفة للمنهج التربوي السليم،. وبعد ذلك فالأسرة، والصحبة، والنادي، ووسائل الإعلام تهدم في لحظات ما يبنيه المدرس في شهور. والمقارنة هنا ليست في جانب متكافئ، فهذه الوسائل مع كثرتها وتوافرها تملك من الإثارة والإغراء والجاذبية، وربما المصداقية لدى التلميذ أكبر بكثير مما يملكه المدرس. لذا فالمدرس مع افتقاره للتعرف على وسائل التوجيه وأساليبه مفتقر إلى معرفة المعوقات والعقبات وإدراكها. وفيما يلي محاولة للحديث عن أهم هذه المعوقات وبعض المقترحات للمدرس كي يتجاوزها: أ - معوقات من داخل المدرس وهي تلك المعوقات التي تعود إلى شخصية المدرس نفسه، أو أسلوبه في التدريس، أو معاملته مع الطلاب، فتحُوْل هذه المعوقات عن بلوغ كلمة المدرس مداها المطلوب، ووصولها إلى تحقيق الهدف الذي يسعى إليه، ومن أهم هذه المعوقات: المعوق الأول: الفهم الخاطئ لقوة الشخصية: حين يفهم المدرس قوة الشخصية فهماً خاطئاً، فيسيطر عليه هذا الهاجس، فسيؤثر هذا الفهم على أدائه الدور المراد منه والمنتظر. إذ يَعدُّ بعض المدرسين قوة الشخصية المحور الأساس لنجاحه، والهدف الرئيس الذي يسعى المدرس المستجد إلى تحقيقه في عالم الواقع. فهو الهدف الأول والأساس، وعلى ضوئه يتحدد مستقبله في التعليم. وتتوالى النصائح على المدرس في وسائل تحقيق هذا الهدف ومعوقاته، ويكثر صاحبنا استشارة من سبقه، واستثارة التجارب، واستعادة الصور السابقة من حياته الدراسية، وذكرياته مع من سبق أن درَّسه عله أن يستمد منها رصيداً يضيء له الطريق!. ومع تقديرنا لأهمية تحقق هذه الصفة لدى المدرس، ودورها في تقبل تلامذته له، إلا أن النظرة إليها عند الأغلب أعطتها بعداً أكثر غلواً ومبالغة؛ مما أسهم في انعكاسات سيئة على نفسية المدرس وأدائه، ومن الانعكاسات السلبية لهذه النظرة: 1- أن هاجس خوف الفشل، وضياع الشخصية أمام الطلاب يعدُّ أكبر هاجس يواجه المدرس المستجد؛ مما يسهم في رفع قيمة هذا الهدف لديه، وزيادة رقعة المساحة المخصصة له من بين الاهتمامات والأهداف الأخرى، وهذا يعني بالضرورة سيطرته على سائر الأهداف وضمورها، فهدف التوجيه والتربية لن يأخذ مكانه الطبيعي لدى هذا المدرس، ذلك أن حماسته قد فُرِّغت، وجهده قد جمع لتحقيق هدف ضبط الفصل. وحتى حين توجد الأهداف الأخرى، فسيبقى هذا الهدف حاكماً عليها، وموجهاً لها؛ فهدف التربية والتوجيه مرهونٌ عند هذا المدرس بما لا يخدش شخصيته، والرفع من المستوى العلمي لطلابه مشترط بألا يتسبب في خدش هذه الشخصية. 2- يسهم هذا الهاجس في إيجاد حالة من التوتر، وشد الأعصاب لدى المدرس، فيدخل الفصل بنفسية مشدودة، تسيطر عليه مشاعر الرجاء والخوف. فهو يتمنى أن ينتهي الدرس بسلام، ويتنفس الصعداء حين يسمع قرع الجرس، ويحرص على ملء الدرس بالحديث حتى لا يترك فرصة للطالب ليعبث ويحطم هذه الشخصية المتوهمة! حينها يتحول الفصل الدراسي لدى المدرس من مجلس للتعليم والتربية إلى ساحة معركة ينبغي أن يتغدى فيها الأستاذ بالطالب قبل أن يتعشى به. أي تربية وتوجيه، وأي إنجاز ينتظر بالله عليك ممن يدخل الفصل بهذه النفسية المشدودة؟ 3- ينعكس أثر هذا الهاجس لدى المدرس على سلوكه داخل الفصل، فيسهم في خلق جو معين، وفرض مواقف لم يأخذ في حسبانها إلا تحقيق هذا الهدف، والوصول لهذه النتيجة. فالحواجز التي يفتعلها المدرس بينه وبين تلامذته، فتصبح علاقته معهم علاقة رسمية جافة، فلا يمكن أن يجد تلميذه ابتسامة، أو يسمع كلمة حانية، ومنطق الاستبداد بالرأي، ورفض الحوار والمراجعة والتنازل عن الآراء، والقسوة والغلظة، والتي يعلن البعض فيها مقاطعته لكل ما يمت للرحمة والرفق بصلة، فيحول الفصل إلى ثكنة عسكرية، أما التجاوز عن الخطأ، والعفو عن الزلة فهي من مظاهر الضعف والخور، ومن مسببات انهيار الشخصية. كل هذه المظاهر وغيرها، إنما هي نتائج مباشرة لهذه النظرة المفرطة لقوة الشخصية. إن هذه الصور ليست حكايات من نسج الخيال، أو محاولة قصصية، بل هي واقع رأيناه ولمسناه ونحن في ميدان الطلب والتدريس، ولئن كان هذا الهاجس يبلغ ذروته عند المدرس المستجد، فهو يبدأ بعد ذلك يتناقص. لكنه لا يصل عند كثير منهم إلى حد الاعتدال، ويبدو ذلك من خلال المناقشة مع أمثال أولئك حين تطالبهم بالإسهام في التوجيه، أو بناء علاقة حسنة مع الطلاب، حين تفتح مثل هذا النقاش يبدي البعض لك هذه الحجة وهذا التخوف من الانهيار المزعوم للشخصية، ويظل يسهم مساهمة فعالة في حجب كثير من الأدوار التربوية. ونحن إذ نرفض تحول قوة الشخصية إلى هاجس يسيطر على نفسية المدرس، وهمٍّ يقيمه ويقعده، فليس البديل الذي نطرحه هو ضياع شخصيته، وإفلات الزمام من يده؛ ليصبح في حال يلعب به الصبيان. وحين يفلت الأمر من يد المدرس، فيصبح ألعوبة في يد الطلاب، فيتعالى صراخهم، ويزيد عبثهم، ويفقد سيطرته عليهم، فإنه يصبح في وضع لا يحسد عليه، ولا يمكن أن يلقي درسه بهدوء، أو يترك أثره على تلامذته. ولا يسوغ أن يكون التطرف بديلاً لتطرف آخر. ونقطة اختلافنا مع إخوتنا الأفاضل ليست في مبدأ قوة الشخصية، إنما في الفهم المتطرف لها، وفي وسائل تحقيقها. إن المدرس المتمكن علمياً من مادته، الوقور في سلوكه وسمته، الحليم الذي لا يخرجه حلمه عن حزمه، إن من هذه صفته لن يستخف به طلابه لتنازل عن رأي، أو احترام لأشخاصهم، أو تجاوز عن خطأ، أو ابتسامة هادئة. وهو في الوقت نفسه يدخل الفصل ويخرج مطمئن البال، مستقر السريرة، ويؤدي دوره في التوجيه والتربية من خلال حاله قبل مقاله. ولعل أبرز معيار لقوة شخصية المدرس هو قدرته على اتخاذ القرار الذي يريد، وسيطرته على نظام الفصل، أما اختفاء الأنفاس، وسيطرة السكون والرهبة فهو أمر يليق بالعسكر والجلادين أكثر منه بالأساتذة المصلحين. المعوق الثاني: الفهم القاصر لدور المدرس: يرى بعض من المدرسين والمدرسات أن الدور المنوط به، والواجب الأساس الذي سيحاسب عليه هو أداء المنهج الدراسي والواجبات الرسمية، وقد يشعر بعض هؤلاء بثقل الأمانة والمسؤولية حين يخطئ في درجة واحدة للطالب قد لا يترتب عليها أثر يذكر، أو حين يترك صفحة من الكتاب المقرر، أو ربما حين يهمل الإعداد التحريري للدرس. لكن إهماله لتوجيه الطلاب ونصحهم، وعدم مبالاته بما يراه أمامه من تقصير وسلوك شاذ،واعتقاده أن ذلك كله خارج دائرة مسؤوليته، أو هو نافلة والثاني فريضة - وهو فهم يسيطر على بعض المدرسين والمدرسات، وبعضهم للأسف من الصالحين- إن ذلك كله فهم قاصر للمسؤولية والأمانة. إن أداء الواجب الرسمي مطلب من المدرس لابد أن يحاسب نفسه تجاهه، لكن ذلك ليس نهاية المطاف، وماذا تصنع الأمة بأجيال غاية إنجازهم إجادة القراءة والكتابة، واستظهار وسرد معلومات حفظوها ودرسوها؟ إن الدعوة إلى الله واجبة على المسلمين ابتداءً، وهي بحق طالب العلم آكد، وبحق من يقابلهم صباح مساء تصبح فرض عين يأثم بتركه والتقصير فيه. وإنه لجزء من أمراض الأمة التي أوغلت في المظاهر على حساب المضمون أن يتصور المدرس أنه مسؤول عن إجراءات إدارية لا تقدم ولا تؤخر، أما ما سوى ذلك من البناء العلمي، والتربية والتوجيه فهو ضمن دائرة النوافل، ولئن قبلنا ممن يعيش العمل الإداري البحت، أو من بعض العامة من الناس أن يوغل في المظاهر على حساب المضمون، فإنه لا يمكن أن يحتمل بحال من المدرس والمربي ومعلم الأجيال. المعوق الثالث: الحواجز المصطنعة: يحيط بعض المدرسين نفسه بسياج وهمي وحاجز مصطنع، يمنعه من التعامل والتأثير على فئة وقطاع عريض من الطلبة، فأحيانا يتصور أن تأثيره وجهده لا يجاوز الطلبة المشاركين معه في الجمعية المدرسية، أو فئة خاصة من الطلبة (أهل الاستقامة والصلاح) ولو كان الأمر يقف عند مجرد نظرته لهان، لكن هذه النظرة تولد سلوكاً يشكل عائقاً له عن التأثير والتوجيه، ثم يتحول الأمر إلى شعور متبادل فيشعر الطلبة أنهم معزولون عن هذا المدرس أو ذاك، ويتحدث المدرس في فصله أمام ثلاثين طالباً وهو يشعر أنه لا يخاطب إلا الفئة الجادة، فيحرم الغالبية من توجيهه. وكم نخسر معشر المدرسين حين نفرض على أنفسنا هذه الحواجز، فبدلاً من مئات الطلاب يخاطب الأستاذ العشرات، فهلا فكرنا تفكيراً جاداً وسعينا لتحطيم هذه الحواجز، ليتسع مدى المخاطبين بهذه الدعوة؟ وحين نلقي نظرة سريعة على مدارسنا المتوسطة والثانوية - وبخاصة في المدن- نرى أنه لا تكاد تخلو مدرسة من عدد من المدرسين والمدرسات الأخيار الذين يحملون هذه الدعوة، فدون احتقار لجهدهم، ومن غير إقلال من شأنهم، نتساءل: ماذا حقق إخواننا الأخيار؟ خاصة مع عامة الطلاب والطالبات الذين هم القاعدة والسواد الأعظم، والذين لن يخلو أحدهم من أن يكون قد تتلمذ على واحد من هؤلاء، فماذا سمع منه؟ وماذا قدم له؟ مرة أخرى لست أحتقر جهود العاملين، ولا أقلل أعمال المخلصين، لكنها دعوة جادة للمصارحة والواقعية مع أنفسنا. فلنحطم هذه الحواجز الوهمية، ولنتوسع في خطابنا ليشمل السواد الأعظم من الطلاب، مع الاستمرار في الجهود الأخرى فهي أيضاً لا ينبغي أن يقلل من شأنها. المعوق الرابع: النظرة المتشائمة: لا جدال أن واقع الشباب اليوم لا يسر مسلماً، وأن شقة الانحراف قد اتسعت لتشمل رقعة واسعة من خارطة حياة الشباب المعاصرة، ولا جدال أن المسافة بين واقع الشباب اليوم وبين ما يجب أن يكون عليه ليست قريبة بحال. ولكن أيعني ذلك أن الخير قد أفل نجمه؟ وأن الشر قد استبد بالناس؟ أليست هناك صفحات أخرى من حياة أولئك المعرضين غير هذه الصفحات الكالحات؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم" (رواه مسلم (2623). )؟ فلنسع في قراءة بعض الصفحات الخيرة والتي قد نجهلها أحياناً ونتغاضى عنها، أو نقلل منها، وأحياناً نتجاهلها عمداً. فكثيٌر من الشباب يعود للجادة، ويستقيم أمره فيسير في قوافل التائبين. وكثيرٌ منهم مع ما فيه من فساد وانحراف يتطلع إلى تلك الساعة التي يودع فيها هذه الحالة، ويسلك طريق أهل الخير والصلاح. وقد قمت بإجراء دراسة على فئة من الشباب من غير أهل الصلاح والاستقامة فأجاب 93% من طلاب المرحلة الثانوية، و92% من طلاب المرحلة المتوسطة أنهم سبق أن فكروا في الالتزام. وأجاب 32% من الجميع أنهم فكروا تفكيراً جاداً في الالتزام. وأفاد 46% من طلاب المرحلة الثانوية، و37% من طلاب المرحلة المتوسطة أنهم يرغبون رغبة أكيدة في تغيير واقعهم، أما الذين ليس لديهم رغبة في تغيير واقعهم فهم 3% فقط من طلاب المرحلة الثانوية، و7% فقط من طلاب المرحلة المتوسطة. والغالب من هؤلاء الشباب - مع ما فيه من فساد وإعراض - أنه غير راضٍ عن واقعه الذي هو عليه الآن وقد أفاد 6% من طلاب المرحلة الثانوية، و14% من طلاب المرحلة المتوسطة أنهم راضون عن واقعهم أي أن 94%من طلاب المرحلة الثانوية، و86% من طلاب المرحلة المتوسطة يملك قدراً من عدم الرضا عن واقعه. أليس عدم الرضا هذا بداية خير، وبذرة يمكن أن تستثمر؟ (بحث عوائق الاستقامة لدى الشباب للكاتب. لم ينشر. ). وأخيراً فهؤلاء مع ما فيهم من انحراف وفساد فهم يملكون جوانب خير، وفطرة سليمة، فليس بين صفوفهم من يتبنى نحلة أرضية أو ملة إلحادية، ولم يكن منهم من يرفض الدين جملة وتفصيلاً، وغالب ما لديهم من انحراف وخلل إنما هو في جوانب سلوكية. وأنا حين أقول هذا لست أدافع عن هؤلاء الشباب، ولا أقلل من شأن ما هم فيه من فساد، ولكني أقول: إن هذه جوانب خير لا يجوز أن تغفل، ويجب أن نضعها في الحسبان، لتكون دافعاً لنا لمزيد من الجهد والبذل. المعوق الخامس: التركيز على النقد: هناك ظواهر سلبية منشرة بكثرة بين صفوف الطلاب والطالبات، وأمور لا يسع المؤمن السكوت عليها، ولابد للمدرس والمدرسة أن يشارك في إزالتها، ويتحمل مسؤوليته في ذلك، ولكن حين لا يسمع الطلاب منه إلا النقد اللاذع، والحديث عن الأخطاء والمساوئ، فإما أن يشعروا بأنه صاحب نظرة موغلة في التشاؤم فلا يسمعوا منه بعد ذلك، أو أن يتجاوبوا مع ما يطرحه فيشعرون أنهم قد غرقوا في الأخطاء والمساوئ ولن يتخلصوا منها، فيصيبهم اليأس والإحباط. فبدلاً من أن أقول للطلبة: أنتم تتهاونون في المعاصي، وتقعون في الصغيرة والكبيرة، ولا ترعون حرمات الله، ولا تخافون منه، لو حدثتهم بدل ذلك عن شؤم المعصية ونتائجها الوخيمة دون أن أشير إليهم من قريب ولا بعيد، أفلا يفهم العاقل منهم أن هذا ينطبق عليه؟ أولا يتحقق المقصود من ذلك؟ وبدلاً من أن أحدثهم عن التهاون في النظر الحرام وتهافتهم عليه، لو حدثتهم عن فوائد غض البصر، وعن النتائج الوخيمة التي تترتب على إطلاقه أفلا أدرك المراد؟ وحين أراهم يقصرون في الصلاة، ويتهاونون بأمرها. ألا يمكن أن أتحدث معهم عن شأن الصلاة وعظمها، وأنها أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله؟ ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد رأى رجلين يستبَّان فغضب أحدهما، فلم يوجه له صلى الله عليه وسلم الحديث إنما قال يخاطب أصحابه: "إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد" (رواه البخاري (3282)ومسلم ( 2610).). وأنا لا أدعو بذلك المدرسين إلى ألا يقولوا لطلابهم إن هذا خطأ، فقد يستوجب الأمر الحديث الصريح المباشر، ولا أدعوهم إلى أن يدافعوا عن أخطاء الطلبة، لكن هذا شيء، واستمراء النقد وسيطرة لغته شي آخر. إن سيطرة لغة النقد على حديث المدرس قد تعود عليه هو بأثر سلبي، فيصبح دون شعور ينظر من هذه الزاوية، وتسهم هذه النظرة السلبية لواقع طلابه في حجب الرؤية الواضحة لما يمكن أن يحققه أو يصل إليه، ثم يعود في النهاية محبطاً مبدد الآمال. المعوق السادس: كثرة التكاليف: يشكو بعض المدرسين من كثرة التكاليف المدرسية والواجبات الإدارية المتعلقة بالمدرس، بدءاً بعدد الحصص الأسبوعية، إضافة إلى ما يتبعها من واجبات منزلية وتحضير وإعداد، وقد يكون لدى المدرس مهام وتكاليف إدارية وإشرافية أخرى. إضافة إلى طول المنهج الدراسي وقصر الوقت المخصص للمادة مما يجعل المدرسين والمدرسات يشعرون أنهم بحاجة لمزيد من الوقت لإكمال المقرر، فكيف يجدون الوقت الفائض الذي يسمح لهم بأداء الدور التوجيهي التربوي؟ هذه العقبات من وجهة نظر هؤلاء تبقى عائقاً وحاجزاً دون أداء المدرس الدور المنوط به، فهي تستهلك وقته، وتستنفذ طاقته حتى لا يجد الوقت الكافي للتفكير والمراجعة. ويمكن أن نسجل على ذلك الملحوظات الآتية: - أولاً: لاشك أن المدرس يتحمل أعباء كثيرة تؤثر على عطائه وأدائه التعليمي التربوي، وأنه حين ينتظر منه نتاج أفضل فلا بد من تخفيف الأعباء. ولئن قبلنا القول بأن زيادة النصاب من الحصص لها ما يبررها من تزايد أعداد الطلبة والطالبات ونقص الفرص الوظيفية، إلا أن الكثير من الأعباء الإدارية ليس لها تفسير سوى الإغراق في الشكليات الذي ابتليت به الأمة على حساب المضمون. ثانياً: ومع هذا الوضع فإن صاحب الهدف الجاد الذي يسري في أعماقه وروحه، والذي يشعر أن تحقيق الدور التربوي هدف أساس وليس قضية هامشية أو نافلة من النوافل؛ إن الذي يحمل هذا الشعور يملك الاستعداد التام لتحمل الواقع والتعامل معه. وأحسب أن هناك ارتباطاً وثيقَ الصلةِ بين مستوى الجدية في الهدف والحماس له والتشكي من كثرة التكاليف، ولا نزال نرى عدداً من المدرسين والمدرسات الأفاضل الذين لا ينكر جهدهم، ولا يجهل أثرهم، نراهم استطاعوا تحقيق هذا القدر من النجاح بالرغم من كثرة أعبائهم. ثالثاً: لا نزال نرى أصحاب الأهداف الدنيوية والتطلعات الخاصة يتحملون في سبيلها اللأواء؛ فيصبر أحدهم على جفاء رئيسه في العمل، ويتحمل من الأعمال أكثر من غيره، ويتظاهر بقدر من الارتياح والإخلاص أكثر مما في داخله؛ يعمل كل ذلك من أجل تحقيق هدف عاجل، وأحسب أن الهدف التربوي والإصلاحي لدى إخواننا وأخواتنا أسمى وأعلى من ذلك كله، فهم أولى بالتحمل والبذل. رابعاً: الدور الذي نطالب المدرس بتحقيقه معظمه يتم من خلال وجوده في الفصل الدراسي الذي لابد له منه، فهو سيدخل الفصل لا محالة، وسيخاطب تلامذته ولابد، فمعظم هذه الأدوار لن تتم بتحمل مزيد من العبء بل بإحسان النية، وصدق الكلمة، واختيار ما يقول. خامساً: من يتأمل السنن الكونية يرى أن من يسعى للتغيير في المجتمعات - أيًّا كان هذا التغيير- لابد أن يدفع الثمن الباهظ لذلك، ويبذل الجهد الهائل، فكيف بأصحاب الدعوات؟ وسير الأنبياء والمصلحين على مدى تاريخ البشرية خير شاهد على هذا المعنى. قال تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء..} ويحكي صلى الله عليه وسلم صورة من معاناة الأنبياء قبله فيقول ابن مسعود- رضي الله عنه -: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" (رواه البخاري (3477) ومسلم (1792).). ب - معوقات خارجية المعوق الأول: التربية الأسرية الخاطئة: ويمكن أن نصور الصعوبات التي تواجه دور المدرس والمرتبطة بالتربية الأسرية الخاطئة فيما يلي: - 1- الأسرة هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية، وهي المسؤولة بشكل أساس عن صياغة عقلية التلميذ ومعاييره وخلفيته الإدراكية؛ فتتلقى الطفل صحيفة بيضاء تخط فيها ما تشاء. وقد تكون هذه التنشئة خاطئة، وغير متسقة مع التربية الإسلامية الصحيحة. 2- لا يقف دور الأسرة عند مجرد توجيهات تعارض ما يطرحه المدرس، أو آراء تخالف آراءه؛ بل هي تنشىء التلميذ وفق معايير معينة تتحول إلى جزء من تفكيره، وتسهم في تشكيل وصياغة معايير يحكم من خلالها على ما يطرح عليه. ماذا يصنع المدرس بتلميذ نشأ بعيداً عن الأجواء الشرعية المنضبطة، وصار يستنكف العبادات الشرعية، ويرى فيها صورة من التطرف والشذوذ، ويعتبر أن مطالبته بالانضباط الشرعي إنما هي ضمن دائرة التطرف والغلو. فهو هاهنا يقيِّم ما يسمعه من أستاذه في ضوء هذه الخلفية. 3- نظرة التلميذ لأستاذه ابتداءً تتحكم فيها تربيته الأسرية، فمن خلال التربية الأسرية ترتسم في ذهنه صورة محددة للشخصية السوية وصورة للشخصية الأخرى. ويسعى لتطبيق هذه المواصفات على شخصية أستاذه، فحين لا تتفق شخصية أستاذه مع الشخصية السوية لديه تشكل هذه النظرة حاجزاً وعائقاً أمام أي محاولة للتوجيه والبناء. فهو قد ينشأ في جو يحتقر الشخص المتدين، وينظر إليه نظرة شاذة، أو يعتبر التدين غلواً وتطرفاً، فحين يرى أستاذه كذلك فهو سيدرجه ضمن هذه القائمة مما ينعكس بالضرورة على مدى تقبله لما يطرحه عليه من توجيه. 4- قد تسهم الأسرة في نقض كلام المدرس وتقويمه، فتنقض ما أحكمه، وتهدم ما بناه، وما أكثر ما يقول الأب أو الأم: كلام أستاذك غير صحيح، وغير مقبول. وقد يستطيع الأستاذ أن يقطع خطوات في تربية التلميذ وتوجيهه لكنه جهد"غير مضمون الثمرة؛ لأن تأثير البيت المعاكس يظل دائماً عرضة لإفساد ما تحاوله المدرسة" (منهج التربية الإسلامية لمحمد قطب ج2 ص 101). 5- قد يسهم الجو العام للمنزل في التأثير اللاشعوري على التلميذ وتطبيعه بما يتناقض مع توجيه أستاذه. فالتلميذ الذي ينشأ في بيتٍ يهمل العناية بالصلاة، ولا يستيقظ أحد منه لصلاة الفجر سيكون كذلك، وقد لا يأخذ توجيه أستاذه بالاستيقاظ للصلاة مأخذ الجد. والآخر الذي اعتاد في المنزل أن يرى الصورة الفاتنة على الشاشة، قد لا يتقبل بالضرورة نصح أستاذه المتكرر بغض البصر وحفظه، وحين يتفاعل مع توجيه أستاذه، ويعزم على ترجمة القول إلى عمل، يعود للمنزل وقد هبطت حماسته وفي الوقت نفسه انتصر داعي الشهوة، ولم يطق مجاهدة نفسه والكف عما يراه أمام عينيه. المعوق الثاني: وسائل الإعلام: لقد شهد العصر الحاضر ثورة هائلة في مجال تقنية الاتصالات، وتفتق العقل البشري- بما منحه الله من قدرة- عن وسائل تخاطب الفرد والمجتمع بكافة حواسه من خلال الصحيفة المقروءة، والإذاعة المسموعة والمرئية. وتسهم هذه الوسائل في التأثير على تربية التلميذ ف"الأفلام الساقطة والبرامج الهدامة التي تعرض على الجماهير عبر وسائل الإعلام لها دور كبير في هدم جوانب شخصية الطفل بشكل عام، وهذا النوع من الأفلام والبرامج هو الذي يحتل محل الصدارة في الإعلام العربي "(المؤثرات السلبية في تربية الطفل المسلم وطرق علاجها. لعائشة جلال (292).). " ويكاد يجمع المهتمون بهذا الجانب التربوي على أن مظاهر الحب والغرام، والعشق بين الجنسين هي المحور الرئيسي، والقاعدة الأساسية التي تدور عليها أحداث المسلسلات، والمسرحيات التمثيلية التي يعرضها التلفزيون، إلى جانب الدعاية السيئة المعتمدة على إظهار مفاتن المرأة ومحاسنها" (مسؤلية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة. عدنان باحارث (484-485)). والمجلة الساقطة هي الأخرى تسهم في وأد الفضيلة والحياء من خلال التسابق على نشر الصور الفاتنة، والمظاهر المغرية، واعتبار الحب والعلاقة المحرمة وسيلة شرعية وسلوكاً لا يرفضه إلا الشاذون، والأغلب الأعم مما يعرض أمام التلميذ هو من هذا النوع. وتمتاز هذه الوسائل عن سائر المؤثرات بما يلي: 1- مخاطبتها لأكثر من حاسة لدى التلميذ، ففي الوقت الذي يرى الأستاذ يتحدث أمامه في الفصل حديثاً متواصلاً، لا يخاطب سوى حاسة السمع وحدها، وربما كان حديثاً علمياً جافاً، يرى من خلال الشاشة من يحدثه حديثاً مصحوباً بالصورة، والمشهد المثير لانتباهه، والذي صيغ بطريقة تأسر لبَّه، وقل مثل ذلك في الصحيفة أو المجلة التي تحمل الصور الملونة، يقرأها وهو مضطجع على فراشه في غرفته المكيفة. 2- يتعامل التلميذ مع هذه الوسائل بنفسية تختلف كليًّا عن تلك التي يتعامل فيها مع توجيه أستاذه. فهو يتعامل معها بعقلية المتلقي والمقبل عليها، أما أستاذه فربما كان زائراً ثقيلاً في الفصل يتمنى أن يسكته قرع الجرس. 3- تطرح هذه الوسائل على التلميذ طرحاً يلبي داعي شهوته، ويتسق مع هواه، في حين يستهدف توجيه أستاذه إخراجه من أسر هواه وشهوته. 4- تمثل الاختبارات وأعمال السنة والواجبات المدرسية ومطالبة الأستاذ بالانضباط داخل الفصل عاملاً هامًّا يقلل من دور الأستاذ التوجيهي - في نظر الطالب- بخلاف من يتعامل معهم بصورة غير مباشرة ولم يقابلهم يوماً من الدهر في حياته. 5- إن"تراكم عددٍ كبير من الوسائل الإعلامية بطرق مشوقة وجذابة، وعبر بعد زمني ممتد وهي تركز على موقف معين، أو تبشر بسلوك محدد قد يكسب ذلك الموقف أو السلوك شرعية اجتماعية، ويكسر الحواجز النفسية بين الجمهور وبين ذلك الموقف أو السلوك؛ فيعتاد عليه ويتقبله واقعاً معترفاً به" (الإرشاد النفسي خطواته وكيفيته. د.عبدالعزيز النغيمشي. ضمن الكتاب السنوي الثاني لجستن (297). 6- وترقى خطورة وسائل الإعلام لتقاوم أيضاً دور الأسرة. مما دعا الدكتور محمد نصار أن يتساءل قائلاً: "ماذا يصنع الأب أو ماذا تصنع الأم إذا أرادت أن يكون ابنها في المرتبة السامية العليا من الأخلاق، ومن الآداب، ومن السلوك الطيب، حيث تقوم بتوجيه أبنائها توجيهاً تربوياً سليماً ولكن يفسد هذا التوجيه تحريك مفتاح التلفاز، وتحريك المؤشر في الإذاعة والراديو وغير ذلك؟ "(مشكلات الشباب والمنهج الإسلامي في علاجها. وليد شلاش نايف شبير (317).). المعوق الثالث: الصحبة السيئة: إن من نافلة القول الحديث عن الدور الخطير والأساس الذي تلعبه الصحبة في التأثير على الشاب بصفة خاصة، لذا فقد أشار أنصح الخلق صلى الله عليه وسلم وأعرفهم بالله سبحانه إلى هذا المعنى في أحاديث عدة. منها قوله: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" (رواه أحمد (8212) الترمذي (2378) وأبو داود (4833).). وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي" (رواه أحمد (10944)3/38 والترمذي (2395) وأبو داود (4832) والدارمي (2057)). ومما يزيد من أهمية دور الرفقة: 1- كونها اختيارية في الغالب"فهو الذي ينتقي أصدقاءه ويبني العلاقة معهم برغبته وحسب ميله....وهذا بخلاف علاقته بوالديه أو أستاذه أو زملاء صفه، فإنها تكون مفروضة عليه" (المراهقون. د.عبدالعزيز النغيمشي (64-65).). 2- الرفقة تغذي حاجة اجتماعية ملحة لدى الشاب، يندر أن يستأنس بدونها. 3- وجود التشابه والتلاقي بينه وبين رفقته في الطبائع والأحاسيس والحاجات والمشكلات (المراهقون. د.عبدالعزيز النغيمشي (68).) ؛ فهو يشعر أنه وإياهم شيء واحد، بخلاف أستاذه أو والده الذي يرى أنه يعيش عالماً آخر غير عالمه. 4- طول الوقت الذي يقضيه التلميذ مع رفقته، فهو أطول مما يقضيه مع أستاذه وربما والديه. هذه بعض المعوقات التي تواجه المدرس وهو يريد أن يربي أبناءه وتلامذته التربية الإسلامية، وأن يصحح ما يراه من خلل في سلوكياتهم. مقترحات لتجاوز هذه المعوقات إن سياقنا لما سبق ليس تثبيطاً وإبرازاً للعقبات والعوائق أمام الأستاذ الناصح لكن سقناه لأمور منها: - أن يدرك المدرس ضخامة التحديات التي تواجهه، وصعوبة الدور الذي يناط به وينتظر منه أن يؤديه؛ مما يدفعه إلى مزيد من الاهتمام والاجتهاد والعناية. ولأجل ذلك أخبر صلى الله عليه وسلم معاذاً حين بعثه إلى اليمن أنه يأتي قوماً أهل كتاب؛ وذلك ليأخذ للأمر عدته، قال ابن حجر: "هي كالتوطئة للوصية لتستجمع همته عليها؛ لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهَّال من عبدة الأوثان" (فتح الباري (3/457)). وبادئ ذي بدء أشعر أن ما يطرح هنا ليس بالضرورة حلاً متكاملاً لهذه المشكلة، ومدعاة لتجاوز هذه العقبات تجاوزاً تاماً؛ فهو لا يعدو أن يكون مقترحات قد تسهم في رفع مستوى تأثير خطاب المدرس، وامتداده مساحة أوسع. أولاً: تربية الإيمان والتقوى: إن العناية بتربية الإيمان بالله وتقواه وخشيته، والحرص على غرس ذلك في نفوس الناشئة، من أهم ما ينبغي أن يكون في أولوياتنا التربوية؛ فالإيمان والتقوى هو العاصم بإذن الله من مواقعة الرذيلة، والانهزام أمام داعي الهوى والشهوة. إن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال: إني أخاف الله عز وجل، نعم هكذا يصنع الإيمان بصاحبه، فيكون بإذن الله وقاية من السير في ركب الشهوة وطريق الضلالة والهوى. ثم إن من يملك التقوى والإيمان لا يلبث حين يواقع ما حرم الله أن يستفيق ويتوب إلى الله عز وجل {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (الأعراف: 201 ). وإن من الفوارق الجوهرية التي تميز التربية الإسلامية عن المناهج الأرضية قيامها على أساس إصلاح القلوب وغرس الإيمان، بخلاف تلك المناهج التي تقوم على مبدأ تقويم السلوك - مع ملاحظة أن معايير السلوك المقبول والمرفوض في هذه المناهج معايير بشرية - إذ القلب هو الأساس لكل ما يصدر عن الإنسان من سلوك كما قال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (رواه البخاري (52) ومسلم (1599).). وهب أن المرء استقام سلوكه وقلبه خواء من الإيمان والعبودية لله فلن يجدي ذلك عنه شيئاً. ثانياً: تنمية الاستقلالية في التفكير والرأي: إن التبعية في الرأي والسير وراء الآخرين، من مشكلات الجيل المعاصر، وهي تكوِّن الأرضية المناسبة لتلقي التأثير الخارجي على الشخص، أياً كان مصدر هذا التأثير. ومن ثم فإن عناية الأستاذ بتربية تلامذته على روح الاستقلالية في الرأي والتفكير، والتخلص من التلقي المجرد مما سوى الوحيين يخدم في تنمية الشخصية الناقدة لما يعرض لها وما يواجهها. والأستاذ الذي يعنيه بدرجة أساس أن يتربى تلامذته تربية ناضجة، يشعر أن غرس الاستقلالية لديهم مطلبٌ ملح، ولو كان على حساب قبولهم لكل آرائه، وسماعهم لكل ما يطرحه، بل إنه ليسر حين يرى تلميذه يخالفه في رأيه واقتناعاته، ويرى أن ذلك معيار نضج وكمال. وهو حينها سيعنى بتعليمهم الحقائق العلمية مقرونة بالدليل والبرهان، وسيناقش الأقوال والمسائل مناقشة علمية موضوعية بعيدة عن الأحكام الجاهزة والنتائج المسبقة، وهو لن يقبل منهم مناقشةً لقول، أو اعتراضاً على نتيجة علمية، ما لم تكن مناقشتهم مقرونة بالدليل والبرهان. إن هذا المسلك مع أنه يربي العقلية العلمية الناضجة فهو أيضاً يسهم بشكل آخر في ضبط سلوك التلميذ الاجتماعي، وتطبيعه بذلك، فلا يقبل بعد ذلك في حياته ومسلكه إلا ما يقتنع منه. هذه التربية تشكل بإذن الله درعاً واقياً للتلميذ من المؤثرات الأخرى، وتضع قناة لمراجعة ما يرد عليه بدلاً من كونه يتلقى ويتلقف كل ما يرده، حينها تتحطم الكثير من العوائق أمام هذه الشخصية. ثالثاً: التجديد في الوسائل ولغة الخطاب: إن النفوس تسأم التكرار والرتابة؛ ومن ثم كانت تحتاج باستمرار للتغيير والتنويع. وحتى في حياة الإنسان العادية وسلوكه اليومي فهو يجنح للتغيير، ويسأم الروتين. إن سيطرة لغة محددة للخطاب والتوجيه قد يفقدها قيمتها وجاذبيتها، فتتحول إلى روتين ممجوج لدى البعض؛ فالتنويع والابتكار في وسائل مخاطبة التلاميذ وإقناعهم يسهم في تحقيق قدر أكبر من القبول. وإدراك المدرس لهذا الأمر يدعوه إلى إعادة النظر في وسائل التوجيه، ولغة الخطاب، والتجديد في أساليب النصح والتأثير، وإلى الشعور بأن التوجيه ليس مجرد كلمات جوفاء يلقيها على طلابه وينتظر منهم الترحيب والمبادرة. وحين نتصور أننا قادرون على مواجهة هذا الزخم الهائل من الصوارف والمغريات، والتي تملك من الجاذبية ما تملكه.بمجرد كلمات، أو توجيهات نلقيها ونحن ننتظر التنفيذ والاستجابة، وربما كانت مقرونة ابتداءً بلغة استعلاء واحتقار للطلاب ووصف لهم أنهم ليسوا على شيء، وغير جادين، ولا صادقين، وأن طلاب العلم مضوا مع الرعيل الأول والجيل السابق، حين نتصور ذلك فنحن نغرق في السذاجة والسطحية. رابعاً: الواقعية في الأهداف والطموحات: قد يرتفع مستوى الحماسة لدى البعض، ويرى أنه قادر على تحقيق ما يريد، فيرسم لنفسه أهدافاً طموحة، ونظرة مثالية يصعب الوصول إليها، وتقويمه لعمله، ورؤيته لنجاحه وفشله مرهون بأهدافه. فإذا كانت أهدافه أعلى من الواقع فسيشعر بالفشل وضعف النتاج وطول الطريق، ويقول بلسان حاله أو مقاله: ما الفائدة والجدوى من العمل؟ أما حين يدرك العقبات، ويعرف المصاعب، فسوف يرسم أهدافاً تتسق مع الواقع، ويمكن ترجمتها إلى واقع عملي. خامساً: رصيد الفطرة: إنه ومع كل العقبات والعوائق مما ذكرنا وما لم نذكر، فسيبقى جانبٌ مهم لا ينبغي إغفاله. لئن كان طريق الشهوات والغواية طريقاً تستهويه النفس وتميل إليه، طريقاً يجد المرء ما يدعوه له. فالخير في المقابل له رصيد عميق في فطرة الإنسان {فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون. منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين} ( الروم: 30-31). نعم فقد فطر الله الناس منيبين إليه، فطرهم على الدين والتوجه له سبحانه. وهو المعنى نفسه الذي يشير إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟" ثم يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -{فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} (رواه البخاري (1359)مسلم (2658). ). وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: "إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم؛ فحرَّمت عليهم ما أحللت لهم..." (رواه مسلم (2865) ). فمن يدعو الناس لمنهج الله إنما يستهدف إزالة الران والغشاء عن القلوب الذي يغطي رصيد هذه الفطرة، قبل أن يكون داعياً لتأسيس بنيان جديد. ثم إن الناس وإن ابتعدوا عن شرع الله، وغرقوا في الفساد، وارتكبوا الشهوات، إلا أنهم يشعرون بمرارة المعصية وشؤم الغواية، ومن ثَمَّ فهم يبحثون عن المنقذ، ويتطلعون للمُخَلِّص. وها نحن نراهم في الواقع يتوافدون بحمد الله على طريق الخير، ويسلكون السبيل. سادساً: العاطفة الصادقة: وهي تلك اللغة التي لا يجيدها إلا الصادقون المخلصون، والأمارة الفارقة بين المتصنع المتشبع بما لم يعط وبين المخلص الجاد. فحين يملك الأستاذ العاطفة الصادقة والتفاعل مع ما يقوله لتلامذته، يخرج حديثه من القلب، فيشعر التلميذ وهو يسمع حديث أستاذه أنه حديثٌ صادق ناصح. وكم نرى ممن يؤهله للقبول عند الناس عاطفة حية ومنطق صادق أكثر من أسلوب رصين بليغ. وكما أن التلميذ يتعامل مع تلك الوسائل السابقة تعامل المقبل عليها، فهو في وسط ركام الغفلة، ومن بين أنقاض الواقع البئيس، يشعر حين يسمع الصوت الناصح أن يحس من خلاله بلغة النصيحة، ومنطق الصدق؛ فتتجاوب نفسه، ويسمو على أهوائه ورغباته الشخصية ليصيخ لمنطق الدين والعقل. وحين سأل ذر بن عمر أباه: ما بال المتكلمين يتكلمون فلا يبكي أحد، فإذا تكلمت أنت سمعت البكاء من كل جانب، فقال: يا بني، ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة ( إحياء علوم الدين (4/288).). سابعاً: القلوب بيد الله وحده: ومع ماسبق، فالأمر أولاً وآخراً بيد الخالق سبحانه وتعالى الذي خلق عباده ويعلم ضمائرهم ودواخلهم، وقلوبهم ونواصيهم بيده سبحانه وتعالى يصرفها كيف يشاء، يضل من يشاء ويهدي من يشاء سبحانه وتعالى. ورؤية المسلم للأسباب المادية، وعنايته بتحصيلها لا يجوز بحال أن تشغله عن إدراك قدرة الله سبحانه، وأن الأمور ونواصي العباد بيده عز وجل. أرأيت الأنبياء والمصلحين السابقين، كيف استطاعوا أن يحققوا أهدافهم؟ وكيف تجاوزوا العقبات التي يصنعها شياطين الإنس والجن ليحولوا بين الناس وبين دعوة الله؟ فالطريق واحدة والسبيل متفقة. إن إدراك هذه المعاني والسنن الربانية كفيل بإزالة تلك العوائق والعقبات، غير أن المسلم مأمور بفعل الأسباب، وتلمس الصعاب والاجتهاد في تذليلها، ثم حين يبذل ما يستطيع فالتوفيق بيد مولاه، والعون منه سبحانه وتعالى؛ فما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، وما من قلب إلا هو بين إصبعين من أصابعه سبحانه وتقدس يقلبه كيف شاء. ولابد أن ينتج من طول تفكيره وسائل وبرامج يغذيها بممارسته وخبرته، وينضجها بالاستفادة مما عند الآخرين. وهو على كل الأحوال لن يكون أقل قدرة من أصحاب الأهداف الوضيعة والمقاصد الدنيئة الذين يجدون ألف وسيلة ووسيلة لتحقيق أهدافهم. هذه بعض الخواطر حول ما أرى أن المدرس قادر على القيام به لتجاوز بعض هذه المعوقات، وهي لا تعدو أن تكون حاضرَ ذهنٍ قاصر، ونتاجَ قلمٍ وتجربة محدودة. مع يقيني أن إخوتي الأفاضل قادرون بإذن الله على اكتشاف المزيد، وعلى تحقيق ما يريدون. حين يملكون الصدق والإخلاص- وهم كذلك نحسبهم والله حسيبهم. ثامناً: استثمار الأنشطة الطلابية: لاشك أن للتوجيهات والخطاب الناصح الدور البارز الذي لا ينكر، خاصة حين تضاف لذلك القدوة الحسنة، لكن ذلك مهما علا شأنه لا يمكن أن ينقل الطالب إلى مرحلة الاستغناء عن البرامج التربوية العملية. ومن هنا يبرز دور الأنشطة الطلابية اللاصفية في توجيه الطالب وتربيته، وتؤدي هذه الأنشطة هذا الدور من خلال ما يلي: أولاً: لقاء الأستاذ بطلابه خارج الإطار الرسمي والجو المدرسي يساهم في زيادة الألفة وزوال كثير من الحواجز والعوائق، فيهيئ نفسه للتقبل والتجاوب مع ما يطرحه عليه بعد ذلك. ثانياً: أن هذه الأنشطة غالباً ما تحوي الفئات الجادة والمتميزة من الطلاب؛ مما يتيح للطالب فرصة للقدوة الحسنة والجو البديل عن أجواء الشارع والتجمعات غير المنضبطة. ثالثاً: تسهم هذه البرامج في تشكيل صداقات الطلاب، فيختار الطالب من بين هؤلاء الذين يشاركهم الأنشطة المدرسية أصدقاء له، ولاشك أن ذلك حماية له من أصدقاء السوء وتوجيهاً غير مباشر للصحبة الصالحة. رابعاً: كما أن هذه الأنشطة تحوي خيرة العناصر من الطلاب، فكذلك الذين يشرفون عليها هم في الأغلب من خيرة الأساتذة. خامساً: غالباً ما تتضمن هذه الأنشطة برامج لها آثارها التربوية كالرحلات الاستطلاعية، والمسابقات الثقافية، والمحاضرات... وسائر الأنشطة. سادساً: توفر هذه الأنشطة البدائل المنضبطة لكثير من الأنشطة التي ربما مارسها الطالب في أجواء شاذة؛ فالأنشطة الرياضية والترويحية التي يتعلق بها كثيرٌ من الشباب وربما أصبحت بيئة لصداقة سيئة، هذه الأنشطة يمكن أن تمارس من خلال برامج الأنشطة الطلابية؛ فتصرف الطالب عن ممارستها في تلك الأجواء، وتتيح له الأجواء المنضبطة. ويحتاج الطالب للرفقة والصداقة التي تتجانس معه، فتسهم هذه الأنشطة في تحقيقها له كما سبق. ويحتاج لحب الاستطلاع، وتحقيق الذات... كل ذلك وغيره يمكن أن توفره هذه الأنشطة للطالب؛ فتحقق له الجوانب التي يفتقر إليها في نموه المتكامل، وتقدم بديلاً لممارستها من خلال أجواء ضارة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مصطفى دعمس

مصطفى دعمس


عدد المساهمات : 221
تاريخ التسجيل : 17/09/2010
الموقع : http://ar.netlog.com/mustafademes/blog/blogid=1838524#blog

معوقات التوجيه للمدرس Empty
مُساهمةموضوع: رد: معوقات التوجيه للمدرس   معوقات التوجيه للمدرس Icon_minitimeالخميس 04 نوفمبر 2010, 23:02

تحية تقدير واحترام لإضافة المنتدى بالموضوع الرائع
معوقات التوجيه للمدرس 5CR77729
معوقات التوجيه للمدرس Ce63fd3cd9
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
معوقات التوجيه للمدرس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» معوقات تطبيق الجودة الشاملة في مجال التعليم:
» أسلوب أمثل في التوجيه والتربية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى التربوي الشامل - علوم بلا حدود :: الفئة الأولى :: منتدى العلوم الإنسانية والاجتماعية :: منتدى العلوم التربوية :: المنتدى التربوي والتعليمي العام-
انتقل الى: