من المؤسف له، بأننا نعيش حالة من غزو الثقافات والخصوصيات وهذا ما أكدته أطروحات غربية عديدة"كصراع الحضارات لهنغتنتون"(1)، و"نهاية التاريخ لفوكويام" وغيرها من الأطروحات، لذلك يجب أن يكون هناك تعاون بين أبناء الأمة في أوطانها العديدة وتكاتفهم ضرورة واقعية- فضلاً عن كونها فريضة شرعية- وعصر اليوم عصر التكتلات في الميادين المختلفة وقَدَر هذه الأمة أن تعتمد- بعد الله- على وحدة مشاعرها واتحاد جهودها لبلورة صيغة عملية لتعاون إعلامي عربي وإسلامي حتى تستطيع أن تقف على قدميها وتدعم قضاياه المصيرية لإحداث تغيير في الخطاب الإعلامي العربي، فهل يرد الإعلام العربي هذا الدور الرسالي للإقلاع من واقع الجمود والتخلف إلى واقع جديد تستأنف فيه أمتنا الرسالة الموكولة إليها لأننا بحاجة إلى إعلام حضاري ممنهج يرتكز على استراتيجيات واضحة وذات أهداف نبيلة ورسالة سامية.
الإعلام لم يعد ترفا أو شيئا كماليا بل أصبح واقعا وضرورة لا يمكن للناس أن تستغنى عنه.. فهل استفادت المجتمعات العربية من الإعلام المعاصر؟ وقد غلب على إعلام الإعلام العربي إستراتيجية الترف والتسلية، ولم يتطور بنفس تطور الإعلام الغربي. (2)
ولكي يسهم الإعلام العربي في بناء وحماية العقل العربي فلا بد من الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وأن حدوث التوازن بينهما سيحرس العقل العربي ويحميه.
وضرورة أن يكون الإعلام باللغة العربية وأن يجتنب العامية لأنها صعبة الكتابة والنطق،وتسجيل الانكسارات والهزائم وتقديمها من خلال الإعلام حتى يتعلم النشء الخبرات والتجارب.(3)
ومن الملاحظ تراجع دور الأسرة والمدرسة والجامعة وتقدم الدور الإعلامي؛ وبخاصة المرئي، في ظل نسبة أمية عالية عربيا، وهو ما يشكل خطورة على الهوية العربية والإسلامية في وقت يتم فيه تطويع الهويات تبعًا للهوية الغربية.(4)
والسؤال: مع تقدم الإعلام وتراجع المؤسسات التي من شأنها العمل على حماية العقل العربي. هل يستطيع الإعلام أن يضطلع بهذه المسؤولية فائقة الأهمية؟
أن هناك مجموعة من العوائق أمام تحمل الإعلام لمسؤولياته، ومنها:(5)
- القيود السياسية التي يعاني منها الإعلام الرسمي.
- تركيز الإعلام الخاص على الربح، وهو ما أفسد الذوق والعقل.
- معضلة الإنترنت، حيث ظهرت بعض المواقع التي تروج للاحتقان الديني، والهجوم على الأديان.
- الاختراق الأجنبي، والمتمثل في بعض الفضائيات الناطقة بالعربية، والتي باتت تلعب دورًا سلبيًا في بناء العقل العربي.
أن الحل يكمن في بلورة إعلام صحي يؤكد على الهوية والجدية. لأن أي عمل إعلامي جاد يقبل عليه الجمهور العادي وليس المثقف، داعيا الإعلام لأن يلعب دورًا فعالاً في إعطاء القدوة، مؤكدا أن بناء إعلام سليم لن يوجد في ظل غياب الديمقراطية.
هل يقوم الإعلام فعلا بدور في تشكيل الفكر العربي؟ وهل هذا الدور إيجابي أم سلبي؟ أن الإعلام في ذيل المؤسسات التي تؤثر في العقل والفكر العربي، بعد الأسرة والتعليم والنادي والمسجد والسياسة، فيأتي الإعلام تتويجًا لجميع الأدوار السابقة.
أن الأسرة تهاونت في وظائفها وسلمت أفرادها إلى التليفزيون والإنترنت، بينما تعاني المؤسسةُ التعليمية الاختراقَ على كل المستويات، ولا تزال قائمة على نظام التلقين، وأما عن المؤسسة السياسية فتخضع لوضع استبدادي مع تعددية شكلية، أما المؤسسة الثقافية فالتحقت بالسلطة السياسية، في حين أن المؤسسة الدينية أصبحت رسمية وتابعة للسلطة السياسية. (6)
الإعلام أزمته مركبة
أما المؤسسة الإعلامية فهي تعاني أزمة مركبة على ثلاثة مستويات:
أكاديمي ومهني وعلى مستوى الجمهور؛ فالمؤسسة الأكاديمية قائمة على التلقين والنقل والاقتباس والمحاكاة للدراسات الغربية، ولا تقوم بأية دراسات جادة تجيب عن الأسئلة الجوهرية التي يطرحها الواقع العربي، وفيها تهميش وغياب للرؤية النقدية، وتهميش للأفراد الجادين.
وعلى المستوى المهني فالإعلام العربي يعاني ضغوط الحكومات، وهناك عداء تاريخي بين الحكومات وبين الصحفيين والإعلاميين.(7)
أن المؤسسات الإعلامية كل قياداتها معينة وتغيب فيها الديمقراطية(
، والحكومة تحتكر مصادر المعلومات، وتحتكر تراخيص الإصدار، وتحتكر التشريعات والقوانين السالبة للحريات، وهنا تبرز مشكلة الإعلاميين العرب، فهم يعانون ضغوط الحكومات، وابتزاز وإغراء أصحاب المال والثروة. والنقابة التي يجب أن تحمي الصحفيين تم تقليص دورها بإنشاء المجلس الأعلى للصحافة، وعن طريق وجود وزارة للإعلام.
أما الجمهور العربي فهو مهمش، إذْ لا تجد مؤسسة إعلامية عربية واحدة تخصص جزءًا في المليون لدراسة احتياجات الجمهور، بل تنظر إليه بنظرة استعلائية.
هل الإعلام -الملحق بالسلطة وأباطرة السوق والتابع للإعلام الغربي- قادر بالفعل على بناء وتشكيل العقل العربي؟!.(9)
أن الضعف المشاهَد في الإعلام العربي هو جزء من الضعف العام الشامل.
أن النضال من أجل بناء عقل عربي سليم لا يمكن أن يُلقى على عاتق الإعلام وحده، بل لا بد من النضال من أجل بناء أسرة قوية، ومدرسة نموذجية، ومجتمع حُرّ متماسك، في ظل دولة ديمقراطية. (10)
ولكي يكون الإعلام في البلاد الإسلامية قادرا على التأثير يلزم قيام شراكة إعلامية في البلاد الإسلامية قادرة على الـتأثير يلزم قيام شراكة إعلامية بين الأقطار الإسلامية من أجل استغلا أمثل للحرية الإعلامية في العالم، ومن أجل أن يصبح المواطن في البلدان الإسلامية على اطلاع جيد بكل خبايا ومعلومات العالم الإسلامي، والحد من تدفق تفاصيل المعلومات عن الغرب لأنها لا تفيد المواطن المسلم في حياته اليومية. ليس من المستساغ أن يجهل بعضنا البعض الآخر، أو تتكون لديه صورة كاذبة عنه من خلال الإعلام الغربي الذي يشكل اليوم المصدر الرئيسي للمعلومات فا لأمة الإسلامية لاتعرف أخبار بعضها إلا عن طريق الإعلام المعادي، وتلعب تكنولوجيا الإعلام والاتصال دورا محوريا في التنمية الإعلامية، لذا ينبغي الأخذ بأسباب التكنولوجيا (الأقمار الصناعية، الإذاعات التلفزيون ، الأفلام السينمائية، والصحف والمجلات ....)، فهذه الوسائل تلعب دورا أساسيا في زيادة السيادة الإعلامية.
-------------------------------------------
حصري لمنتديات علوم بلا حدود
(1) : يريد صاموئيل هانتغتون أن يميع المعايير التي يمكن من خلالها توصيف الخلل الاجتماعي والسياسي الذي أصاب العالم.ويحاول من خلال هذا التمييع أن يكسي السياسة الغربية ثوباً أخلاقياً حضارياً تجابه به حضارات متخلفة تحاول أن تعترض طريق الحداثة والديمقراطية ، كما يرى هو.
إن الإسلام لا يعترف بالمصطلح الصهيوني الجديد(صراع الحضارات) ، بل يدعو إلى مفهوم معاكس له تماماً من حيث الجوهر؛ ذلك هو مفهوم التعارف الذي ينجم عن الاختلاف والتنوع مع الحفاظ على مفهوم التدافع أي التنافس.
(2) : د.حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة، المؤتمر الدولي في جامعة القاهرة - كلية الإعلام تحت عنوان "الإعلام والبناء الثقافي والاجتماعي للمواطن العربي"، في الفترة من (8 مايو حتى 10 مايو 2007)
(3) : المرجع السابق نفسه.
(4) : د. أحمد يوسف -عميد معهد الدراسات العربية والسياسية- جامعة القاهرة ، المؤتمر الدولي في جامعة القاهرة - كلية الإعلام تحت عنوان "الإعلام والبناء الثقافي والاجتماعي للمواطن العربي"، في الفترة من (8 مايو حتى 10 مايو 2007)
(5) : المرجع السابق نفسه.
(6) : د. عواطف عبد الرحمن -الأستاذة بكلية الإعلام/جامعة القاهرة، المؤتمر الدولي في جامعة القاهرة - كلية الإعلام تحت عنوان "الإعلام والبناء الثقافي والاجتماعي للمواطن العربي"، في الفترة من (8 مايو حتى 10 مايو 2007)
(7) : المرجع السابق نفسه.
(
: ما زالت ظاهرة الواسطة، المحسوبية، الرشوة ،منتشرة في وطننا العربي .. وهي داء عظيم، وشر مستطير، ووبال استشرى واستفحل؛ وسكن أغلب المرافق؛ فلم يدع مكانا إلا ونال منه قسطاً وافرا، وصار سمة أساسية لكل عمل، ويحظى باهتمام أكبر من الاهتمام بشهادات الكفاءة، والخبرة!!..
(9) : د. عواطف عبد الرحمن، مرجع سابق