نحن الآن في عصر الإعلام بلا منازع ولا سيما إعلام الفضائيات والانترنيت وهذا ما ضاعف واجبات الاعلاميين وزاد من خطورة دور الاعلام في كل منحى من مناحي الحياة ولا سيما في مجال التنوير والتوجيه وتكوين شخصية المجتمع سلباً أو ايجاباً. واذا كان البعض يعتبر أن دور الاعلام يقتصر على الترفيه ونقل المعلومة والحدث فإنه مخطئ جداً خصوصاً أن التمادي في اشاعة التفاهات وتحويل الاعلام الى عامل سلبي يشجع على الانحراف ويسهم في تسطيح العقول وتضليل الشباب. فالإعلام هدف ومسؤولية ودور بناء يسهم في تصحيح الأخطاء ونشر المعرفة ورفع مستوى المتلقي وتقديم الأفضل وتوحيد الكلمة وجمع الشمل ومحاربة الفتن والحزازات وقطع دابر من يروج لها أو يستخدم الإعلام كحصان طروادة لينفذ الى جسد الأمة وينشر فيه الأوبئة والأمراض.
هل تحول الواقع العربي الى أحجيات وألغاز يحاول بعضنا البحث عن حلول لها بينما يعجز البعض ويستنكف البعض الآخر؟ وهل أصبحت أحوالنا ساحة كلمات متقاطعة لم نعد ندري كيف نجدها أو حتى كيف نبحث عنها؟ وهل وصلنا الى يوم تراكمت فيه الأسئلة على رؤوسنا بعد كل المضحكات المبكيات التي نشاهدها والأحداث والمفاجآت والعواصف والعجائب التي أدخلتنا في متاهات عالم اللامعقول فصارت الأجوبة عليها في حكم السر المقفل المستعصي الحل؟
فانصراف النخب للانبهار بالغرب والانشغال بالجدل اللفظي والحوار العقيم، بدل أداء دورها التحسيسي والتوعوي بالأخطار الحقيقية التي تصدر عنه، يجعلها نخبة عميلة ومستلبة تضر ثقافات وحضارات وقيم بلدانها أكثر مما تنفعها، وعلى هذا الأساس فإننا نستطيع استنتاج: أنه هناك سيل جارف باتجاهين من المعلومات يجري بين شمال القارة الأمريكية والقارة الأوربية دون عوائق، وهناك تدفق إعلامي باتجاه واحد، يتركز من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها يستقبل من خلاله العالم أكثر من 90 % من المواد الإعلامية عبر لندن وباريس ونيويورك، ويظهر بوضوح عدم التوازن بإنتاج الصحف والمجلات والكتب والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وغيرها من المواد الإعلامية، ونشرها وتوزيعها عبر الشبكات الدولية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ويعكس في الوقت نفسه الوضع الحقيقي للتبادل الإعلامي الدولي.
في مطلع هذا القرن , وتحت ضغط الغزو الاستعماري والاحتلال الغربي لديار المسلمين , أُلقيت في رحاب الفكر نظريات ومذاهب , في مجالات اللغة والدين والتراث , وكانت الانطلاقة المجرمة لهذه النظريات والمذاهب الهدامة من خلال الإعلام(1) .
من المؤسف معظم المشاهدين في عالمنا العربي أصبحوا يتابعون بل ينتظرون مسلسلات مدبلجة .. تعرض وتتابعه مُعظم العيون بكل شوق ولهفة .. وما ينطبق على هذه المسلسلات ينطبق على بقية المسلسلات العربية والأفلام الأُخرى .
وفي هذه المسلسلات بكل خبث .. أحيوا اللغات العامية وابتعدوا عن اللغة الأصيلة؛ فإن كان ولا بد أن تكون الدبلجة باللغة العربية الفصيحة.. ؛لأن هدف المستعمرين هو حرب اللغة العربية , لكونها لغة القرآن , وبها تحت صياغة التراث الإسلامي عبر السنين ... وبحيث لا تتمكن اللغة العربية من التوسع بين مسلمي العالم , واتبعوا في ذلك عدة أساليب منها : تشجيع اللغات المحلية واللهجات في معظم البلاد الإسلامية غير العربية لتصبح هي اللغات القومية .(*)
الشر يبدؤه في الأصل أصغرُهُ وليس يصل بنار الحرب جانيها
فإن دور وسائل الإعلام في إعادة اللغة العربية إلى أصالتها قد اتضح في الواقع المعاصر في ضوء الخبرة العالمية. وهناك مشكلات جديدة في الاستخدام اللغوي في الإعلانات وفي بعض المسلسلات، وهي مشكـلات جديـرة بالبحث اللغوي والاجتماعي ووضع الحلول المناسبة لها. هذه القنوات تمثل واقعًا جديدًا، وتعد أدوات مهمة عند حسن الإفادة منها – لترسيخ النمط المنشود للعربية الفصحى المعاصرة المعبرة بدقة عن حضارة العصر ومشكلاته، والمتجاوزة حدود الفئات والاستخدام المحدود إلى استيعاب كل المنطقة العربية، وإلى خدمة ملايين العرب المقيمين في خارجها، وإلى إدماج المناطق ذات الأوضاع اللغوية الخاصة في نسق اللغة والثقافة العربية، وإلى النهوض بتعليم العربية لأبناء اللغات الأخرى، وكلها مهام لغوية لوسائل الإعلام العربية. وكل هذه القضايا تتطلب رؤية واضحة لدور وسائل الإعلام في المجال اللغوي ودراسات متكاملة وتخطيطًا هادفًا وتنفيذًا جادًّا. وهذا جانب مهم على المستوى العربي من التنمية اللغوية.
وإن أثر التلفزيون , يتعمق ويمتد أكثر في طائفتين من الناس : الأميين والأطفال . وأسباب التأثير مشتركة بين الطائفتين تقريباً , وهي الانبهار وفقدان الحصانة الثقافية , وعدم القدرة على الانتقاء والاختيار (2).
فهذا واقع مشهود , يشهده الناس كل يوم وكل لحظة , ويرون بأعينهم آثاره في أولادهم وبناتهم , ويرون كيف يعجزون عن صد آثاره المعجزة , ووقاية أولادهم وبناتهم من تلك الآثار .(3)
يقول الأستاذ (( عبدالله التل )) - رحمه الله - : ولقد شهدت بنفسي مسرحيات عربية مُثِّلت , منها مسرحية (( المحروسة )) يظهر فيها شيخ معمم يشرب الويسكي ويلعب القمار في بار الخواجة (( يني )) ويغازل السيدات , والأصابع اليهودية في هذا النوع من الأدب المسرحي واحدة , سواء في أوروبا أو في بلاد العرب , رائدها زعزعة الثقة برجال الدين اللذين يقفون حجر عثرة في طريق التخطيط اليهودي المدمر .(4)
وهكذا فإن رسالة المسرح في العالم الإسلامي تنسف كل ما ينشده الجيل المسلم , من مُثل ومبادئ وأخلاق , وأنَّ ما يبنيه الدعاة إلى الله في أجيال , تستطيع هذه الوسائل المدمرة أن تزلزله في قلوب الناس وأذهانهم في ساعات .(5)
﴿ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [ البقرة : 12 ]
﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ﴾ [ محمد : 30 ]
﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ [ الأعراف : 51 ]
ولا ريب أن هناك زحفاً خطيراً عن طريق الفن والقصة إلى قلب المجتمع الإسلامي وتقوم الصحافة بالدور الأكبر منه , فإن كل المفاهيم المسمومة والضالة تُقدم في سهولة ويسر وبساطة عن طريق هذه الأجهزة , وتستوعب عقول الشباب الغض والمرأة في البيت , وتثير روحاً جديدة مخالفة تماماً لروح الإسلام , هي روح التشاؤم والشك والعنف والرفض والإنكار لكلِّ شيء قائم .(6)
﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [ النحل : 45 ]
﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [ الشعراء : 227 ]
وإذا الذئـاب استنعجت لك مـرةً فحذار منها أن تعود ذئابـا
فالذئب أخبث مايكون إذا اكتسى من جلد أولاد النعاج ثيابـا
اذن؛ما هو المطلوب من الأعلام؟
لأن المتلقي أصبح:
أكثر وعيا
أكثر معرفة واطلاعا
يمتلك أدوات ومهارات للبحث
كما أصبح العالم أكثر انفتاح معلوماتيا
أصبحت المنافسة مع أدوات ووسائل كثيرة فضائيا / انترنت(7)
فالمعلومة تعني الاقناع .. والمعلومة لها مصادرها المتعددة مع هذه المنافسة لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقرؤة.
لذلك يجب على الإعلام العربي ان ينطلق نحو الأسس التالية(
:
1. الالتزام بالإسلام وتصوراته الكاملة للكون والإنسان والحياة .
2. الارتباط الوثيق بتراث أمتنا وتاريخها وحضارة ديننا الإسلامي .
3. تعميق عاطفة الولاء و البراء .
4. يركز الإعلام في رسالته على المؤثر والمتأثر(المرسل والمستقبل) وخاصة – أركان الأسرة العربية ،رسالة خاصة للأطفال والشباب والزوج والزوجة.. .
5. التأكيد على أن اللغة العربية هي الوعاء الرئيسي للخطاب الإعلامي العربي ومستودع ثقافته .
------------------------------------------
(2) : أساليب الغزو الفكري . علي جريشه
(3) : واقعنا المعاصر . محمد قطب . ص 291
(4) : جذور البلاء . (( الإعلام ))
(5) : الإعلام في ديارالإسلام . د/ يوسف محي الدين ابو هلالة . دار العاصمة . الرياض
(6) : الصحافة والأقلام المسمومة . أنور الجندي . ص 134
(7) : دعمس،مصطفى نمر،إعلام الفضائيات والانترنت،دار جليس الزمان للنشر والتوزيع،الاردن-عمان،2009م،ص13.
(
: دعمس،مصطفى نمر، الإعلام الحديث: ما هو المطلوب من الإعلام:
http://mustafademes.malware-site.www/elm/archive/2008/8/643220.html