ابو صهيب Admin
عدد المساهمات : 259 تاريخ التسجيل : 14/09/2010
| موضوع: أسباب وجود ظاهرة العنف والإرهاب في أوساط الشباب المسلم وحلولها الخميس 28 أكتوبر 2010, 23:55 | |
| أسباب وجود ظاهرة العنف والإرهاب
في أوساط الشباب المسلم وحلولها
الدكتور سلمان بن فهد العودة (*)
أولا : ملاحظات في عرض الأسباب .1عرض الأسباب يجب أن يحاول فيه الموضوعية والحياد، كأي موضوعآخر، وإنما تم التنبيه إلى هذا، لأن هذه الموضوعات المتصلة بأبعادسياسية واجتماعية يقع فيها أحياناً التراشق والتبادل، أو يقع فيهاالتخندق والاصطفاف وظهور الولاءات المتقابلة، أو تقع فيها تصفيةالحسابات والانتقام. .2توفر حسن النية ضروري لكل تناول رشيد، إذ لا يقصد بالتناول الهجومالإعلامي أو التشفي، بل المقصد الصحيح هو حماية الأفراد من الوقوعفي الغلو حفظاً لدينهم ودنياهم، وحفظاً لمقصد الاجتماع ومصالحه منالتهتك، بما في ذلك حفظ المال العام، وحفظ الأمن، وحفظ استمراريةالتنمية، وحفظ حقوق الإنسان، وحفظ سمعة الدين وأهل الدين، وتمكينالأمة من الانطلاق نحو النهضة الحيوية في المجالات المختلفة. .3لم أشأ أن أوجه هذا البحث وجهة الأطر الأكاديمية التي تضعف اتصالهبالواقع، وتقلل حظوظه في التلقي والتعاطي والتفاعل الإيجابيمعه، بل حاولت توظيف بعض جوانب الخبرة الشخصية ـ ولو كانت محدودة ـ فيالتعامل مع هذه الظاهرة والمعرفة الشخصية ببعض دوافعها عبر ألسنةالمعبرين عنها، وفي التعايش مع الناس العاديين البسطاء الذين يكونونأحياناً وقوداً لهذه الحرب، أو متعاطفين معها بطريقة ما، دون تقيدبمنطق، أو انطلاق من قناعة، بل لمجرد الميل والمزاج النفسي الذييؤهل لمثل هذه المواقف العفوية في بدايتها، الخطيرة في نتائجهاومآلاتها؛ كما يقع كثيراً. .4الحلول متصلة بالأسباب؛ ولذا سأعرض مع كل سبب مقترحات تغطي دائرةالحلول، مع مراعاة أن لكل بلد طبيعته ولكل بيئة ظروفها، فثمة اعتباراتخاصة لكل مجتمع، يصاحبها مشترك يصدق على سائر المجتمعات البشرية، أوعلى الأقل الإسلامية، وفي دائرة أضيق : العربية. .5في الواقع العربي غالباً ما تكون المعالجات بمعزل عن الأسباب،وكأنها لا تؤمن بالسببية، أو ترى أن المؤثرات خارجية محضة، وتبرزجانب المواجهة المادية، والحرب الإعلامية متجاوزة بذلك أي حديث أوتفكير في البحث عن أسباب من شأنها أن تجعل الظاهرة أكثر اتساعاً،وأسرع تكراراً، وإن تشكلت في صور شتى تتفاوت فيما بينها، ولكنهاتتحد في طبيعتها، لأن أسبابها واحدة. .6إن التسلسل المنطقي يحتم ـ مع ضرورة المعالجة الآنية ـ أن تعمد جهاتعلمية واجتماعية لدراسة الظاهرة بعمق، وتلمّس دوافعها، والعواملالبيئية والشخصية والتاريخية والسياسية والاقتصادية التي تقف وراءها،مع التأكيد المستمر على الفرق بين البحث عن الأسباب لدراستها وإزالة مايمكن إزالته منها، وبين التسويغ والتبرير كما سيأتي. ثانيا : مقدمات .1إن ما تصنعه فئة من المسلمين لا يلزم أن يكون إملاء شرعياً؛فالواقع، بل والتاريخ ليس دائماً سجلا للفضائل، ولا استجابة للقيمالنبيلة. .2اعتماد خيار القتل في الإسلام ليس أولوية، حتى حين يكون مباحاًومتاحاً، بل هو ضمن نظام راسخ يتسم بالدقة والعدالة ومنح فرص أوسعللسلام، وهكذا تعامل النبي "ص" مع المنافقين الذين كانوا يسعونلتقويض المجتمع من الداخل ويتآمرون ضده ـ، وهكذا صنع مع الذي همَّبقتله، ثم أمكن منه النبي "ص" وهو غورث بن الحارث، وهكذا فعل معزعماء المشركين بمكة حين اجتمعوا بالمسجد فقال لهم : ''ما ترون أنيصانع بكم؟''. قالوا : خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. قال :''اذهبوا فأنتم الطلقاء'' كما هو عند ابن إسحاق في السيرة،والطبري في التاريخ، والبيهقي في الكبرى، وابن كثير فيالبداية والنهاية. .3الجمهرة الغالبة من المسلمين، شبابهم وشيبهم، تقع تحت دائرة الاعتدالوضبط النفس، ويجب التفريق بين الآراء الواسعة التي قد ينتحلها الفردأو يميل إليها، ولو كان فيها شيء من التشدد في نظر الآخرين،مادامت لا تتعارض مع الوحدة والأمن، فالإسراف في تأطير الناسومحاصرتهم ضمن برامج محددة لا يغير أفكارهم، بل يزيدهم تمسكاًبها، فلما أشرقت الشمس وشعر بالحرارة تخلى عنها طوعاً. .4الموضوعات الجديرة بالبحث والحوار في العالم الإسلامي كثيرة، وهذاواحد منها؛ فكثرتها لا تلغي جدارة هذا الموضوع بالحديث، والحديث عنهذا الأمر لا يعني إلغاء أو تجاهل القضايا الأخرى التي لهاميدانها. ثالثا : الموقف من العنف والإرهاب الموقفالشرعي من البغي والفساد ظاهر مقرر، والنصوص فيه قرآناً وسنةكثيرة، فالآيات والأحاديث الواردة في تحريم وتجريم البغي، والنهيعن الفساد ووعيد المفسدين، والتحذير من الغلو في الدين والعبادة،وذم العنف وأهله، ومدح الرفق وأهله، ومدح العدل والإنصاف والتوسط ..ومثل ذلك ذم القتل خارج إطار الشريعة، وإغلاق باب التأويل في ذلك،وتفسير الشبهة لصالح المتهم ومنع الأفراد والجماعات المنفردة أو المنفصلةمن الإفتاء في ذلك، وأن المردّ في ذلك إلى الحاكم، أو من يقوممقامه .. كل ذلك من المعاني الظاهرة المتواترة، وتفصيل هذه النصوصوسياقتها مما صنفت فيه الكتب، وأعدت الأطروحات العلمية، فهو معنىمستفيض، لا حاجة لسرده هنا، مقصد هذه الفقرة التأكيد على أن تسبيبظاهرة العنف يجب ألا يكون مهرباً لتسويغها أو قبولها وفي حالاتعديدة يطرق باحثون أو متحدثون الموضوع أكاديمياً أو إعلامياً أوبوصفه من معيقات الحرية والتنمية .. أو نتاج لاختلال ما، سياسي أومالي، أو متعلق بضعف التمثيل والمشاركة؛ ولذا فهم غير معنيين بهذاالواقع، ويجب عندهم أن ندع الشاب الذي جنح إلى العنف وشأنه فيمعركته مع العنف، وألا نقول كلمتنا التي قد تحسب نصرة له. وهذافي نظري مزلق يجب التفطن له، فلا حيادية في معركة تستهدف المزيدمن الإنهاك لهذا الجسم المتهالك أصلاً، وسواء كانت تفعله بوعي أو بغيروعي؛ فإن هذه هي محصلته ومآله، إن هذه الحركات الغاضبة الرافضة هيحركات عدمية، مهمتها إنفاذ الغضب دون أن تمتلك مشروعاً إيجابياً أوفكرة تكاملية، أو رؤية إصلاحية، ويغلب على منظّريها قصر النظر فيفهم الشريعة، وقصر النظر في قراءة الواقع وإدراك متطلباتهومقتضياته، ومعرفة (فقه الممكن) الذي هو من أجَلِّ أبواب الفقهاللازمة لمن أراد تنزيل الوقائع على النصوص، وهيهات لحركات لا أداةلديها إلا السلاح الأبيض أو الأسود أن تملك تصوراً متكاملا، أو رؤيةواضحة، أو مشروعاً صادقاً. منالناحية الواقعية، فإن ضعف الحماية لحقوق الناس تضعف قطعاً إحساسهمبالانتماء، وتبعاً لذلك لا يكونون معنيين كفاية بحماية الواقع،ولذا جاءت الشريعة بذكر الحقوق والواجبات معاً؛ لأن الإخلال بأحدهايؤدي قدراً وحتماً إلى اختلال الآخر، وهذا أمر مقرر في علومالاجتماع والعمران؛ كما أشار إليه في مواضع من مقدمته الإمام ابن خلدونوغيره، وهو ملموس في الواقع للمنصف المتأمل المعايش لأحوال الناسوأوضاعهم. وقدأشار إليه القرآن في مسألة العلاقة بين الإبن وأبويه؛ فقال سبحانه :{وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } [الإسراء]، فذكر سابقتهم فيرعاية الطفولة، وتربيتها وليس في إهمالها ورميها، وذلك في مقابلالأمر بالمكافأة بالبر والدعاء. خامسا : الأسباب والمعالجات يمكن فرز الأسباب المنتجة للعنف إلى نوعين: الأول : أسباب غير مباشرة وهيمتصلة غالبا بالبيئة والظروف المحيطة التي تصنع تهيئة، وتوفرمناخاً ملائماً الانتشار فيروس العنف، واتساع نطاقه. بعض البيئات مؤهلة لإنتاج العنف، أو لاستقباله؛ لأنها تفتقد عنصر (الممانعة). حتىلا يكون لدى المرء جواب على أسئلة الفكر المشروعة، سيكون فكره قابلاًلشتى الاتجاهات، وحين لا يكون لديه جواب على أسئلة الحياة المشروعة؛ستظل حياته رهناً لتقلبات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. وحين لا يشعر المرء بانتماء إلى أسئلة الحياة المشروعة؛ ستظل حياته رهناً لتقلبات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. وحينلا يشعر المرء بالانتماء إلى مجتمعه وأسرته ومحيطه؛ سيبحث عن انتماءبديل، ولن يجد عسراً أن يتخلى عن أهله وناسه، ويضع يده فييد أي قوة تستهدف الإطاحة والتدمير، والشاعر القديم كان يقول: إذا أنت لم تنفع فضر فإنما *** يرجّى الفتى كيما يضر وينفع والمرءقد ينتمي فطرة إلى وطن عاش على ثراه، لكن لا ينتمي إلى مؤسساتهذا الوطن، والتي أكبرها (الدولة) باعتبارها مؤسسة المؤسسات، أوأم المؤسسات؛ حتى يشعر بأن هذه المؤسسة الأم بفروعها وتشكيلاتها هيلخدمته ومساعدته على تنظيم نفسه وتنظيم الآخرين، وتحقيق الأهدافوالطموحات، وتوفير المصالح والخدمات وحماية الفرد والجماعة، وهذايفتقر إلى: .1 التوعية المتوازنة للمواطن بحقوقه وواجباته. .2عدم المصادرة، فليست العلاقة هي دائماً علاقة أبوية محضة، بل حتىحين تكون علاقة أبوية، فالأب الحصيف لا يستعمل لغة الإملاء والفرضأبداً، بل يشعر الإبن بدوره في العملية الحياتية، وأن له رأياًمعتبراً، وحين يكون الرأي غير معتبر، فثمه حوار وجدل هادئ،وفرص متنوعة، قبل أن تصل الأمورَ القطيعةُ والتهيؤ للحربوالمواجهة. .3اعتماد مبدإ التنظيم لجهود الأفراد، وليس الحجر أو المنع، فإنالإنسان بطبعه فعال وهمام، كما في الحديث النبوي : ''أحب الأسماءإلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام'' كما عند أبي داودوالنسائي وغيرهما، وأصله في مسلم. فالمؤسسةمهمتها تنظيم جهود الناس، وليس إلغاؤها أو حجبها، ومن الممكن أن تتحولالطاقات المختلفة ضمن مؤسسات المجتمع المدني إلى وسائل مساعدة للمؤسسةالأم (الدولة) في تحقيق المصالح، وتوفير الخدمات، ومواجهةالطوارئ والأزمات. .4تفعيل مبدإ المصالح العامة، والشفافية في الممارسة، بما يجعلأفراد المجتمع شركاء في السراء والضراء، يتقاسمون لقمة العيش بينهم،فلا يطالبون بالمستحيل، ولا يتشاحّون على المتاح. إنالاندماج في مشروع التنمية الشاملة والتنمية المستدامة في شؤونالحياة، ولكل الأجيال الحاضرة والمقبلة، يمكن أن يكون هدفاًيتمحور الناس حوله ويضمون جهودهم من أجله. وتحتهذا البند، يمكن أن تجري مصالحات جادة بين الشعوب والحكومات، تعتنيبالحاضر والمستقبل أكثر من عنايتها بالماضي، وتمنح فرصة لمن مر بتجربةأن ينتقل منها إلى سواها، وتفلح في تغيير قناعات المتعاطفينوالمترددين والشامتين والمتفرجين إلى قناعات إيجابية، تؤمن بالمجتمعومؤسساته، وتندمج في مشروعاته، وتعد نفسها جزءاً لايتجزأ منه. وهذهخطورة عظيمة، يصح أنها من ''السهل الممتنع''؛ لأن بعض المنحازينلفكر منحرف هم مثل المقاتل الذي أصبعه على الزناد، يحسب كل مقالة هيحيلة أو خدعة، فإذا أفلح المجتمع بمؤسساته أن ينزع عنه هذا الإحساس،سقطت البندقية من يده تلقائياً. وتحتهذا البند يمكن تخفيف التوتر بين المجموعات الثقافية والإثنية والعقديةداخل المجتمع الواحد، والتوقف عن سياسة تفعيل الصراع بينها، بل يقوممبدأ (التحاجز) أو الكف أو الموادعة. وضمنهذا يمكن إقامة الحوار الهادئ الموضوعي، مع الحفاظ على حقوق الأفرادوالمجموعات، وتشجيع ظهور الروح الإيجابية المتقبلة للاختلاف والمؤسسةلحوارات يسود فيها الأدب الراقي والخلق الكريم، والبحث عن المعذرةوحسن الظن، بدلا من التهارش والتطاحن والاتهام والتحقير. إن سيادة مبدإ الصراع داخل المجتمعات تحت أي ذريعة لهو مدعاة إلى قابلية العنف، والشاعر العربي يقول: فإن النار بالعودين تذكي *** وإن الحرب أولها كـلام والعنفاللفظي؛ صدر في جريدة أو كتاب أو قناة أو إذاعة أو مجلس؛ هو تمهيد لماوراءه، خاصة حين يكون ظاهرة شائعة أو منظمة أو مدعومة، أما حينيكون شذوذاً واستئثاراً وعملاً فوضوياً على الصعيد العام؛ فالخطبأهون وأيسر. ونحننجد في محكم التنزيل قوله تعالى : { وقولوا للناس حسنا }(1) ،وكان ابن عباس يقول : ''لو قال لي فرعون : بارك الله فيك،لقلت : وفيك''. رواه البخاري في الأدب المفرد وسنده على شرط مسلم. إنهذا اللون من الأسباب، الأسباب غير المباشرة، المتعلقة بالبيئةالقابلة والمؤهلة لإنتاج العنف أو تقبله أو دعمه، واسع جداً، ويمكنأن يكون ثمة حديث مستفيض عن التاريخ وعنفه، والجغرافيا وعنفها،والمجتمع، والثقافة ... وما تم عرضه ليس سوى نموذجاً لهذا اللون. النوع الثاني : أسباب مباشرة وهذه الأسباب هي المسؤولة مسؤولية أولية، وتتحمل التبعة بقدر أو بآخر. .1ومنها مسألة التجنيد، بنشر الأفكار المنحرفة وترويجها والمجادلة عنهاعبر الأنترنيت أو الفضاء أو العلاقات الشخصية أو الكتابات. ولاشك أن اكتشاف خيوط التجنيد والتعرف على المستهدفين وقطع الطريق عليه هومهمة صعبة ولكنها ضرورية، وفي جانبها الأمني فلا أحد ينكر ضرورةالوعي واليقظة ومنع حدوث أي جريمة تحت ذريعة العنف أو الإرهاب،وتتبع المجرمين وحرمانهم من تكرار الفعل، أو من التمتع بالفرحة إزاءمشاهدة الأشلاء والضحايا والتدمير والقتل والإعاقة وزعزعة الاستقرار. وفيالوقت ذاته، حرمانهم من أن يشاهدوا النار تتسع، والاستهدافوالملاحقة تمتد لتطال أبرياء؛ إن هذا بالضبط هو ما يريدونه، حيث يقعما يسمونه بـ (خلط الأوراق)، والذي يعدونه نجاحاً لهم وكأنهميتصورون أن مهمتهم هي تجنيد الغاضبين والساخطين ومن وقعت عليه تهمة لاحقيقة لها، فتكون نفوسهم قابلة للانضمام خاصة وأنهم غالباً يشتركونمعهم في الهيئة والشكل والتوجه العام، فالتضييق عليهم يقطع ما تبقىلهم من صلة بمجتمعهم ومؤسساته، ويعطيهم دفعة نفسية وعاطفية لمشاركةأولئك الذين تم ضمهم إليهم بالتصنيف الخاطىء. يجبأن نكون صرحاء، وأن لا نعتبر أن المتدين هو إرهابي، بل ولا حتىالمتشدد هو إرهابي، فمن لديه تشدد يحتاج إلى معالجة وتصحيح أو إلىعزل أفكاره، بحيث لا تكون هي السائدة، لكن يضمن له حقه فيالحياة الكريمة والعيش والعمل والحقوق. والمتشددون موجودون في كل ملةونحلة وديانة، وفي كل مجتمع ومذهب، ولن تخطئ قراءة أسمائهم فيالكنيست اليهودي أو في الكونجرس أو الدوائر الأمريكية والغربية،ومنهم من لا يؤمن بكثير من المسلمات العلمية، أو يلتزم بألوان منالسلوك الاجتماعي الصعب والغريب، ولكنه لا يدين بالعنف أو القسوة أواستهداف الآخرين، أو استخدام القوة تحت أي ذريعة. لقيت مرة دكتورة في الجامعة ذات ثقل علمي، ووجدتها في بريطانيا تمتنع عن شرب الشاي بمبرر، ''ديني''. إنمحاصرة أنماط السلوك الشخصية لمجرد التشابه مع طائفة معينة قد يضر بمبدإالعدالة وحفظ الحقوق، ويفضي أحياناً إلى التجنيد من حيث لا نريد. .2ومنها مسألة الخطاب الديني، والعنف المتحدث عنه منطلق من خطاب ديني،فليس هو في دورته الحالية ماركسياً أو وطنياً، بل هو مؤسس علىعاطفة دينية، ولا أقول على رؤية دينية. إنالرؤية مفقودة، والمعرفة ضعيفة أو غائبة، ولكن ثمة مشاعر وإحساساتشخصية، متدينة أو منحرفة؛ اكتشفت الدين فجأة، ووجدت فيه ملاذاً، ثمصبت كل مشاعرها في أي نص يقابلها. التكفيرمثلاً، مبدأ يرفضه الدين ويحذر منه، ويكفي أن لدينا عدداً منالنصوص الصحيحة الصريحة المتواترة في التحذير من التكفير، على سبيلالمثال: عنأبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله "ص" قال : » إذا قال الرجللأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما«. رواه البخاري ومسلم وأبو داودوالترمذي. وعنأبي ذر أنه سمع رسول الله "ص" يقول : »من دعا رجلا بالكفر أو قالعدو الله وليس كذلك فهو كقتله« رواه البخاري ومسلم. بينما لا نجد أي نص يحث على التكفير، أو يدعو إليه، أو يعتبر الإنسان مسؤولا عن الحكم على الآخرين. أماالقواعد الكلية في حفظ حقوق الناس وعدم القول عليهم بغير حق؛ لا فيأعراضهم ولا في أديانهم؛ فهو باب واسع جداً ينتظم مئات النصوصالقرآنية والنبوية. ففعل التكفير هو نوع من الانتقام يكون عند صاحبه أبلغ من مجرد الشتم أو السب أو التخوين. وهكذااستحلال الدم الحرام، فيه من النصوص ما لا يخفى، لكن حين تثور فينفس المبتلى نزعة الغضب الأعمى؛ سيبحث عن أي ملابسة نصية تدعمه. وهنايأتي دور الأئمة والمفتين والعلماء في التوعية الصادقة بالشريعة،وحفظها مقامات الناس وحقوقهم، وتحذيرها من الجراءة على الدماء والأعراضوالأموال، وإشادتها بالوحدة والاجتماع، وتحفيزها على الاستقرار ورعايةالأمن والمصالح، والدندنة حول هذه الموضوعات في الوسائل المختلفة،وفي كافة الظروف، فهي ليست ملفاً للطوارئ يستخرج عند الحاجةإليه، ثم يعود إلى أدراجه المغلقة؛ هي ثقافة إنسانية إسلامية يجبأن تظل حية في كل الأحوال، وأن يتواصى العلماء والفقهاء بعرضها،وتصريف الحديث عنها. إنالحديث مرة عن شيء منها لا يعني أن المهمة انتهت، بل يجب التناولمن نواح عدة، وبأساليب شتى، ومخاطبة كافة الشرائح، وعلى مستوى لغاتمتنوعة، وسرد النصوص والقصص والوعد والوعيد، وإقامة الحجج وتفنيدالأباطيل، ومعالجة الشبهات بصبر وطول نفس، وبلغة علمية سهلة، وإذااقتضى المقام هجوماً على بعض الضلالات والانحرافات فلا حرج؛ بل هو معنىمطلوب، شريطة ألا يكون الهجوم هو منطلق البيان والبلاغ، لكي تكونلغة الشريعة الهادية، ولغة البلاغ القرآني الصادق هي المحكّمة. يجبأن يكون في بلاد الإسلام حضور دائم لخطاب ديني معتدل ومستقل فيالوقت ذاته، فإن الخطاب الديني حين يوظف لا ينفع ولا يؤديدوره كما يجب. الخطابيجب أن يكون معتدلاً بعيداً عن الشطط أو الغلو أو الإغراق فيالتفصيلات والفروع، ملامساً للواقع، ملتزماً بالتقوى والإخلاصومراقبة الله، ومراعاة مصالح الفرد والجماعة والدولة والأمة، متوسطاًلا يميل إلى الأقوال الغالية أو المتشددة، ولا إلى الأقوال الجافةالمتحللة. ويجب أن يكون مستقلا ينطلق من ذاته وقناعاته ورؤيته الشرعية والتزامه الرباني. وهذاهو المصداق العملي لقوله سبحانه : {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامينلله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقربللتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}(2)، وقوله تعالى :{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أوالوالدين والأقربين. إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلاتتبعوا الهوى أن تعدلوا، وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملونخبيراً}(3) . يجبأن ندرك أن وجود هذا الخطاب في كل مجتمع هو ضمانة حقيقية لأمنه، بللوجوده، وبقدر ما يمنح من الاستقلال والحرية يملك أن يؤديدوراً أكبر، بل في حفظ حدة المجتمع وقطع دابر الغلو والتطرف،وتشجيع مبادرات النمو والتطور والنهوض الذي تحاوله المجتمعات العربيةوالإسلامية. والحديث حول صياغات هذا الخطاب وآلياته وكيفية إعداد كوادره ورجالاته ... إلخ، له مجال غير هذا. .3ومنها مسألة الأحداث الدولية، وقد تعمدت وضعها ضمن الأسباب المباشرة،مع علمي أن هذا لا يخلو من منازعة، لأنني لمست بصفة شخصية مباشرةكيف تؤثر أحداث كغزو أفغانستان أو غزو العراق أو أحداث فلسطين أو نحوهافي نفسيات الشباب، وكيف ترفع وتيرة الاهتمام لديهم، وتعميهم عنالعقلانية والمنطق أحياناً، لتجعلهم قابلين لسماع كل صوت يلوح لهمبالنصر. إننيأصدق مقالة أن التجنيد للإرهاب يتم أحياناً عبر البيت الأبيض، أومكاتب رؤساء الوزارات في دول اختارت الحرب، ودقت طبولها لأي سبب. الحربتقول للناس : لا تتعاملوا بهدوء، ولا تتحدثوا بمنطق، ألغوا عقولكم،واشرعوا سواعدكم، وهي تحفز حتى من لا يملك آلة الحرب ليتصرفبطريقته الخاصة، أعمى عن رؤية النتائج. وبعض المحللين قد يميل إلى أن هذا مقصود، أي تحريك أطراف ضعيفة ليتم الانتصار عليها ضمن جوقة إعلامية ضخمة. وسواء صح هذا، أم لم يصح، وهو ما أميل إليه، فإن أي حرب تقع في المنطقة ستسهم في رفع حظوظ جوقة إعلامية ضخمة. إنني أقول بمسؤولية : إن حرباً قد تشنها إسرائيل أو أمريكا على إيران ستعيد أجواء العنف الأعمى بصورة يصعب التنبؤ بها. والعقلالسياسي الرشيد يؤمن بالمشكلات والأزمات، ولكن يؤمن بالحلول أيضاو»ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء«، فنسأله سبحانه أن يجعلنامن البصراء الحكماء الذين يعرفون الداء ويصفون الدواء. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. ـــــــــــــــ (*)داعية إسلامي. (1)سورة البقرة، الآية 83. (2)سورة المائدة، الآية .8 (3)سورة النساء، الآية .135 | | | منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ 1430هـ/2009م
| | |
|