تعريف المسلم :
(كل من شهد الشهادتين فهو مسلم)(1) ، وسواءً اعتقد بالاسلام اعتقاداً صادقاً في نفسه ، أم تظاهر به تظاهراً شكلياً . . .
وانطلاقاً من هذا التّعريف العام للمسلم ، نستطيع أن نقسم إسلام المسلم وارتباطه بالاسلام إلى قسمين :
أ ـ الايمان : وهو الاسلام القائم على أساس الفهم والقناعة العقلية والوجدانيّة التامّة ، والمتجسّد بالالتزام والتّطبيق لمقرّرات الشّريعة ومناهجها في الحياة . . . فهذه الدرجة من التّصديق والالتزام هي الّتي نسمّيها الايمان . . . والمسلم المتسامي إلى هذه الدرجة من العلاقة مع الله والالتزام بشريعته هو الذي نُسمّيه مؤمناً .
فالايمان إذن درجة أرقى من الاسلام ، لانّه اعتقاد صادق يصحبه تطبيق والتزام كامل بكل ما قرّره الاسلام . . . من عبادات ، وقوانين ، وأنظمة ، وأخلاق ، ومفاهيم ، ووصايا ، وتعاليم . . . الخ .
وقد ميّز القرآن الكريم بين هاتين الدّرجتين المتفاوتتين من العلاقة بالعقيدة الاسلامية ـ الاسلام والايمان ـ . . . فاستنكر على المسلمين ، اسلاماً ظاهرياً ، أن يدّعوا الايمان ، أو يَعُدّوا أنفسهم في عداد المؤمنين ، فقال تعالى :
(قَالَتِ الاَعْرَابُ آمنَّا قُل لَمْ تُؤمِنُواْ وَلكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلما يَدْخُلِ الاِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ) .(الحجرات/14)
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بالله وَرَسُولِه ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ) .(الحجرات/15)
اذن لا يكون الاسلام إسلاماً حقيقيّاً إلاّ اذا بلغ مرحلة التّصديق والاستجابة الكاملة لارادة الله ومشيئته . . . وهي المرحلة التي شخّصتها الآية الكريمة ، في روايتها لاسلام ابراهيم (عليه السلام) لله سبحانه :
(إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) .(البقرة/ 131ـ132)
فهذا هو الاسلام الحقيقي،الذي يقصده القرآن الكريم ، وهو الدرجة العليا من الايمان والالتزام الذي يعبر عن نضج المؤمن الفكري والنفسي ، ويصرح عن تجاوبه السلوكي والارادي .
وهذا هو الاسلام الذي يحقّق للبشريّة خير الدّنيا والآخرة ، ويجسّد أهداف الرّسالة الّتي صاغها الرّسول بقوله : (( . . . جئتكم بخير الدنيا والآخرة)) .
ب ـ الاسلام الظاّهري : وهو التّسليم الشكلي المهزوز ، الذي لا يستقرّ في الّنفس ، ولا يؤثر في السلوك ، ولا يتفاعل مع الحياة ، ولا يحكم علاقات الانسان الاجتماعية ، ونشاطاته الانسانية ، لانه انتماء ظاهري للاسلام ، وتبعية عائمة لا أساس لها ولا قرار . . .
ويشكل هذا الانتماء خطراً على المجتمع والشّريعة الاسلامية . . . وهو نذيرٌ من نذر الهدم والانحراف ، لانه الخطوة الاولى على طريق الانتكاس والسّقوط في مهاوي الجاهلية ، والارتداد نحوها . . . لذا فان هذه الصّيغة الظّاهرية من التّسليم ، لا تؤهل حاملها ، ولا ترشّحه للانضواء الصّادق تحت لواء الايمان ، ولا تمكنه من بلوغ درجة الاسلام بمعناه الواقعي المستهدف في شريعة سيّد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي يصوغ محتوى الانسان وغاياته في الحياة ، وفق شريعة الله ومنهج الدين القويم . . .
والانسان إن لم يبلغ هذه الدرجة من الاسلام تبقى الفواصل والمسافات العقائديّة والسلوكيّة شاسعة بينه وبين الاسلام ، كعقيدة وشريعة ، ومنهج حضاري في الحياة . . . ويبقى هذا الانسان لا يملك من الاسلام إلاّ الانتماء الشكلي ، الذي يجوز جريان الاحكام الاسلامّية عليه ، والتّعامل معه كمُسلم .
وفي دراستنا لهذا القطاع من المسلمين ، يجب أن نميز بين صنفين اثنين ، يصدق عليهما وصف المسلم بمعناه الاعم ، ولا ينطبق عليهما وصف الايمان ، وهما :
1 ـ المنافق : وهو كل من أظهر الاسلام وأبطن الكفر .
فالمنافق مسلم ظاهري نطبّق عليه أحكام الاسلام ونتعامل معه كمُسلم ، بغضّ النّظر عن واقعه ، وعن حقيقة معتقده الذي يخفيه في نفسه .
2 ـ الفاسق : وهو كل من آمن بالاسلام في نفسه ، ولكنّه لم يطبّق الاسلام في حياته ، ولم يلتزم بأحكامه .
والفرق بين هذين الصنفين شاسع . . .
فالمفارقة عند المنافق مفارقة عقائديّة ، وهي في واقعها تساوي الكفر الصريح ، كما شهد القرآن بذلك : (أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لاِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أحداً أبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرنَّكُمْ وَالله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).(الحشر/11)
أما الفاسق فالقرآن لم يعامله مثل هذه المعاملة . . . والمفارقة عنده مفارقة سلوكيّة لا تساوي النّفاق في وصفها وأثرها ـ اذا ما أخذ المحتوى القلبي والباطني بنظر الاعتبار ـ .
ج ـ منهج البحث : يشكل الاسلام بكامل بنيته ، وهيكل وجوده ، وحدة فكريّة وتشريعية وتوجيهية متكاملة . . . يكوّن فهمها وضوحاً فكرياً عاماً ويرسم وعيها خطاً حضارياً متميّزاً . . .
وبالتأمل في هذه البنية الدينيّة المحكمة نستطيع أن نكتشف أربعة حقائق أساسيّة تعطي الاسلام صيغته ، وتحدّد هويتّه ، وهويّة الانسان والمجتمع الذي يصنعه هذا الدين . وهذه الحقائق هي :
1 ـ المبادئ الاساسيّة الّتي يقوم عليها الاسلام .
2 ـ المضمون الذي حملته الرّسالة الاسلامية .
3 ـ الخصائص العامة للرّسالة الاسلامية .
4 ـ أهداف الاسلام .