يواجه الإسلام والأقليات الإسلامية في الغرب عموماً وفي أمريكا خاصة انتهاكات متصاعدة لحقوق الإنسان في هذه الدول إلا أن هذا الانتهاك لم يكن بالشكل الدموي والعنصري ولم يكشف النقاب عنه إلا بعد هجمات سبتمبر2001 ، ولا يعني هذا أن هجمات 11 سبتمبر هي التي أوجدت تلك الانتهاكات ، بل أقتصر دورها على توفير منطلقات مسبقة لتكون بمثابة الذريعة للتحرك وفق صيغة قائمة للدول الإسلامية المستهدفة كانت معداً من قبل.
وكان أول ما رُفِع شعار "الإسلام عدو بديل" ، أثر سقوط العدو الشيوعي ، في محفل سياسي دولي ، بـ "منتدى الشؤون الأمنية الدولية" في ميونيخ عام 1991م، وكان الذي استخدم هذا التعبير هو وزير الدفاع الأمريكي آنذاك -ونائب الرئيس الأمريكي حاليا- ديك تشيني. ولقي موقفه حينئذ ردود فعل شديدة، في البلدان الإسلامية، وفي أوساط ثقافية ودينية غربية تخوّفت مما يعنيه الصدام الكامن وراء تلك الشعارات التي وصلت إلى مستويات مؤثرة في صناعة القرار السياسي، كما كان مع نظريتي "نهاية التاريخ" لفوكوياما، و"صدام الحضارات" لهنتينجتون.
والعنف الذي استهدف العرب والمسلمين في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر لم يكن غير مسبوق، فعلى امتداد السنوات العشرين الأخيرة أصبحت جرائم الكراهية الناجمة عن ردود الأفعال العكسية ضد العرب والمسلمين المهاجرين إلى الولايات المتحدة أمرا يمكن التنبؤ به، لكن نوعية الجرائم التي أعقبت هجمات سبتمبر كانت متفردة في شدتها ومداها. وتفيد أرقام الجاليات العربية والمسلمة بوقوع أكثر من 2000 حادث مرتبط برد فعل ماحدث ، ويفيد مكتب التحقيقات الفيدرالي أن الجرائم الموجهة ضد المسلمين تضاعفت 17 مرة على مستوى الولايات المتحدة في عام 2001 قياسا بالعام الذي سبقه.
ويعتبر كثير من الباحثين أن رد الفعل المعادي في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر يأتي في إطار مشكلة أكبر وأقدم، هي مشكلة جرائم الكراهية في الولايات المتحدة. فالسنوات العشر السابقة عليها شهدت مجموعة من الحوادث المختلفة، مثل ضرب رودني كينغ، ومقتل يوسف هوكنز عام 1993 لأسباب عنصرية في نيويورك، وإطلاق النار بصورة عشوائية عام 1993 على محطة رود أيلند للقطارات، وإحراق عدد من الكنائس الأميركية الأفريقية في صيف 1996، ومقتل جيمس بيرد عام 1998، ومقتل ماثيو شيبرد عام 1999، وقد أدت هذه الحوادث إلى اشتداد الدعوة في الولايات المتحدة لتوجيه مزيد من الاهتمام إلى التعصب العنيف والجرائم المرتكبة ضد جماعات معينة على أساس العرق أو الدين أو الجنس. هناك إذن نظرة عنصرية كامنة في المجتمع الاميركي لا تعبر عن نفسها بقوة، إلا أثناء الأزمات كان أبرز مثال لها ماتعرض له اليابانيون الأميركيين من اعتقال جماعي في أعقاب الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربور.
ورصد مجلس العلاقات الأميركية ـ الإسلامية ( كير) زيادة مقدارها 64 % في وقائع التفرقة ضد المسلمين خلال العام 2002بالمقارنة بما كان عليه الحال في العام الذي سبق هجوم 11 سبتمبر . وقد احتوي التقرير السنوي للمجلس الذي صدر بعنوان " أخذ الكل بجريرة البعض " الملامح الرئيسية للتّمييز والعُنف والمُضايقات التي تعرّض لها المسلمون في أميركا، ، مشير الى أنه بالإضافة إلى تصاعد حوادث التمييز والعنف ضد المسلمين في الولايات المتحدة، فقد ظهرت نتائج سلبية للسياسات التي انتهجتها الحكومة الأميركية، واستهدفت من خلالها مواطنين أميركيين عاديين استنادا، إما إلى ديانتهم أو أصولهم العرقية.
ويسجل التقرير تعرض أعداد كبيرة من المسلمين للاحتجاز والتحقيق، والحرمان من الانتفاع بالخدمات العامة. كما تعرّض رجال الأعمال المسلمون لمضايقات وتحرّش واضح عند قيامهم بتحويل أموال للخارج لإتمام صفقات تجارية، حيث طُلب منهم تقديم إثباتات بأنهم ليسوا إرهابيين! .
فالحكومة الأميركية مارست تمييزا واضحا ضد المسلمين ومنظماتهم في الولايات المتحدة،وفرضت شروطا جديدة لتسجيل الأجانب والتي تم تطبيقها فقط على الطُلاب والزوار القادمين من دول أغلبية سكانها من المسلمين . ووصل الأمر إلى حد تعيين ضباط من الإف .بي .آي يقيمون بصفة دائمة في بعض البلدان العربية حتى يتولوا فحص ملفات طالبي تأشيرات الدخول للولايات المتحدة ،ومن بين هذه الدول مصر والسعودية.
ونشرت صحيفة "واشنطن بوست " قبل شهور أن عدد المسلمين المقرر ترحيلهم من الولايات المتحدة، ارتفع أكثر من عشرة أضعاف ما كان عليه قبل هجمات 11 سبتمبر، ويبدو أن هذه الإجراءات تنال قبول الشعب الاميركي فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب لحساب محطة سي. إن. إن.الإخبارية ومجلة يو. إس. توداي.، أن 58% من الأميركيين يحبذون إخضاع المسلمين والعرب، بمن فيهم الذين يحملون الجنسية الأميركية، لإجراءات أمنية خاصة، وأكثر تشدداً من الفئات الأخرى خاصة قبل ركوب الطائرات في الولايات المتحدة، ووصل الأمر بـ 49% من الذين استُطلعت آراؤهم إلى حد المطالبة بأن يحمل الأميركيين من أصول عربية ومسلمة بطاقات هوية خاصة تميّزهم عن سائر المواطنين.
وفي مناخ كهذا كان طبيعيا ألا يتورع بعض قباطنة الطائرات في الخطوط الجوية الأميركية عن منع أميركيين من أصول إسلامية وعربية من ركوب طائراتهم دون سبب سوى أن أسماءهم إسلامية وعربية، و بعدما قرّرت شركات الطيران طرد عدد من موظفيها، وضعت الموظفين المسلمين والعرب في رأس لائحة المرشحين للطرد.
ورصدت المنظمات الإسلامية والعربية عدة ظواهر لم تكن موجودة من قبل منها إحجام الشركات وأصحاب الأعمال عن تشغيل من ينتمون إلى أصول عربية أو إسلامية. وتغير طبيعة بعض الوظائف التي كانت تعتمد على كفاءة وأمانة العربي، ومنها على سبيل المثال أعمال الأمن والحراسة، فتم الاستغناء عن كثير منهم.
واعترف التقرير السنوي لمكتب التحقيقات الفيدرالية حول جرائم الكراهية في الولايات المتحدة الصادر في عام 2001 بأن عدد الجرائم المسجلة ضد أشخاص أو مؤسسات أو شركات مرتبطين بالعقيدة الإسلامية قد ارتفع من 28 حالة عام2000 إلى481 حالة في عام 2001، أي بنسبة زيادة تعادل 1600%. ولم يحدد التقرير عدد هذه الحالات التي وقعت بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001، لكنه أشار إلى أن المسلمين أو الأشخاص المنحدرين من أصول شرق أوسطية تعرضوا لجرائم الكراهية بشكل يزيد عما حدث في أي وقت في الماضي, حيث كانوا أقل الفئات الاجتماعية تعرضا لهذه الهجمات. وألمح إلى أن ذلك قد يكون مرتبطا بأحداث سبتمبر.
وسجلت اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز 700 جريمة كراهية، ولكنها قالت إنها ومكتب (F.B.I) استخدما طرقا مختلفة في تعريف جريمة الكراهية. ويعرف تقرير مكتب المباحث جرائم الكراهية بأنها تلك الجرائم التي ترتكب بدافع التحامل، سواء كان تحاملا عرقيا أو غير ذلك.