تشكلت الولايات المتحدة الأمريكية ، في صورتها الحالية ، من عناصر انجلوساكسونية كان الغالب عليها العرق البريطاني الأبيض ، وشنت هذا العناصر حملة إبادة شاملة ضد سكان القارة الأصليين من الهنود الحمر، فيما كان المقاتلون الانجلوساكسون يتنافسون على من يقتل أكثر من الهنود الحمر ، كان أقرانهم من التجار والبحارة يجوبون شواطىء أفريقيا لاختطاف اكبر عدد من الرجال السود الأشداء ، وهكذا فان الولايات المتحدة قامت أساسا على إبادة السكان الأصليين لإفساح المجال المستوطنين الجدد من ناحية ، وجلب اكبر عدد من الأفارقة وتحويلهم الى عبيد لتعمير القارة الجديدة من ناحية أخرى ، أي أن الإمبراطورية الأمريكية أرتوت من منبعين : دماء الهنود وعرق الأفارقة .
وكان من الطبيعي أن تنبت هذه التربة المخلوطة بالدم المسفوح والعرق المستباح مجتمعا مشوها ، يمتلك جنوحا نحو استخدام العنف وشراهة غير مسبوقة لسفك الدماء ، ومن المفارقة أن " حقوق الإنسان " كانت هي الراية التي تمت تحتها أبشع المجازر الأمريكية ، وقد سلح المسئولون الأمريكيون أنفسهم بترسانة من الأسلحة " الحقوقية " المدمرة ، لم يقتصر استخدامها على الخارج فقط ، بل كثيرا ما تم توظيف تلك الأسلحة لتقنين الاختلالات العنصرية في المجتمع الأمريكي ، ولقهر طائفة لصالح أخرى .
*الجذور التاريخية والفكرية للمعاداة الأمريكية لحقوق الإنسان
تشير جميع الوثائق التاريخية إلى دموية وإرهاب أمريكيا منذ فجر تاريخها دون مواربة فهي تشكلت بعد الحرب أهلية بين الجنوب والشمال وانجلت عن تشكل ما يسمى الولايات المتحدة الأمريكية ، ولو نظرنا إلى خارطة التوزيع الديني المذهبي في الولايات المتحدة نجد أن البروتستانت هم القوة الأكبر والأكثر عدداً وهم بشكل عام المهيمنون على قطاعات السياسة والحكم والاقتصاد والفكر الديني. والبروتستانتية الأمريكية بمجملها تميل إلى أفكار جون كالفن الداعية الفرنسي البروتستانتي الذي طور ما جاء به مارتن لوثر من حيث اعتماده العهد القديم كأساس للعهد الجديد متوافقاً مع موجة التوجه الاستعماري في أمريكا.
وقد قدم جون كالفن رؤية متكاملة للعقلية الغربية المتمردة على تعاليم المسيحية الكاثوليكية البابوية ، لكنه تجاوز هذا التمرد ليضع أسساً عنصرية دينية يرى من خلالها أن العرق الأبيض هو أسمى العروق في العالم وأن البروتستانت أسمى المذاهب المسيحية بل إنه أسمى من الأديان كلها. وقد فسر كالفن الاسترقاق بأنه قدر إلهي ، فعلى العبيد والمسترقين القبول بهذا القدر.
ولما كان كالفن على صلة وثيقة بالتفسير الحرفي للتوراة فقد تبنى فكرة شعب الله المختار لكنه جعلها خاصة بالعرق الأبيض والبروتستانتي تحديداً إضافة لاعترافه بما يسمى شعب الله المختار اليهودي ، وقد تبنى دعوته معظم القادة والمفكرين الذين بدأوا حملتهم في أمريكا وراحوا حسب زعمهم يطرحونها عرقياً وخاصة في تعاملهم مع أهلها من الهنود الحمر. وظلت الأفكار الكالفينية ترتقي في الشخصية الأمريكية حتى أضحت جزءاً من نسيجها العقلي والنفسي ، وإذا تفحصنا الواقع الاجتماعي والسياسي الاميركي المعاصر نرى أن هذا العامل ما يزال يتجسد بكثير من الأشكال.
فعلى سبيل المثال: لا يجوز أن يترأس الولايات المتحدة سوى أمريكي أبيض بروتستانتي ، وفي تاريخ الولايات المتحدة كله لم تشذ هذه القاعدة سوى مرة واحدة عندما أصبح جون كيندي رئيساً وهو كاثوليكي ، ولا ندري إن كان مقتله نتيجة طبيعية للفكر البروتستانتي المتعصب والمتعاون مع أوساط صهيونية مشبوهة؟ .
ويرى الباحث منير العش في كاتبه " أمريكا والابادات الجماعية ، أن الفلسفة الأمريكية السياسية والفكرية تقوم على فكرة الاستعمار القذر ، والاستعمار القذر هو الاستعمار الذي يقوم على سرقة الأرض وطرد اصحابها الأصليين أو تهميشهم بحيث لا يملكون من خيار سوى القبول بالتنازل للمستعمر عن كل شيء والرضا بالقليل من فتات الموائد وما يمن عليهم المستعمر من بقايا الطعام والشراب فالأرض تسرق ويتم احتلالها بالقوة العسكرية وتستبدل الثقافة السائدة فيه بالثقافة الداخلية للمستعمر .
ويرصد العكش حالة من التطابق التام بين الفكر الأمريكي المستعمر والفكر اليهودي الصهيوني ، فما فعله المستعمرون البيض في أمريكا الشمالية كان يستمد جذوره من فكرة إسرائيل التاريخية ، حيث تقمصوا وقائعها وإبطالها وإبعادها الدينية والاجتماعية والسياسية فكانوا يسمون أنفسهم يهودا عبرانيين ويطلقون على العالم الجديد اسم إسرائيل وارض كنعان وكانوا يقتلون الهنود الحمر وهم على قناعة بأنهم عبرانيون أعطاهم الرب تفويضا بقتل الكنعانيين . وهذا التقمص رسخ عبر مراحل زمنية متتالية الثوابت الخمسة التي رافقت التاريخ الأمريكي وهي : ( عقيدة الاختيار الإلهي ، والتفوق العرقي والثقافي ، والدور ألخلاصي للعالم ، وقدرية التوسع اللانهائي ، وحق التضحية بالأخر ) . ولذلك فقد أباد البيض في مستعمرتهم الجديدة نحو 18،5 مليون هندي دون أن تطرف لهم عين أو يعانوا من إي وخز للضمير .
انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الأجهزة الرسمية الأمريكية
رغم أن الولايات المتحدة الأميركية تعد أكثر دول العالم تدخلاً في شئون العالم بدعوى حماية حقوق الإنسان ، إلا أن سجلها الداخلي في هذا المجال ربما يصيب الكثيرين بالدهشة ، فالولايات المتحدة هي بلد المتناقضات بامتياز وهي اكبر بلاد العالم انتهاكا لحقوق الإنسان ، وفي كتابه " 500 عام من السجون في أمريكا " يكشف سكوت كريستياتسون أن أمريكا هي الدولة الثانية في العالم ، بعد روسيا ، التي تضع أكبر عدد من مواطنيها وراء القضبان الحديدية .
وأشارت إحصاءات لوزارة العدل الأمريكية نشرت في 14/3/1999 الى أن عدد السجناء في السجون الأمريكية زاد عن الضعف خلال ألاثني عشر عاما الماضية ووصل الى أعلى مستوى له في عام 1998 . وحسب الإحصاءات كان في المعتقلات الأمريكية في منتصف العام 1998 نحو 1.800 مليون سجين مقارنة مع 744.208 سجناء في نهاية عام 1985 وكان هناك 668 سجينا لكل مئة ألف أمريكي منذ يونيو 1998 مقارنة مع 313 سجينا لكل مائة ألف شخص عام 1985. هذا الارتفاع الكبير في عدد المعتقلين داخل السجون الأمريكية يعني أن الولايات المتحدة تتجه الى التفوق على روسيا في مجال الدول التي تضم أعلى نسبة من السجناء في العالم.
وحسب تقرير منظمة العفو الدولية لعام 1998 فان الولايات المتحدة على الرغم من كونها صاحبة أقوى اقتصاد في العالم، ولكن يتفشى في كثير من مدنها الجرائم ذات الصلة بالبطالة، والمرض، والفقر، والسرقة، والانهيار الأخلاقي، والدعارة، والعنف .
وتؤكد دراسة بعنوان " سيدة العالم الملعونة " نشرتها جبهة التحرر الشعبي الثوري التركية إن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة التي يرتكب فيها العدد الأكبر من الجرائم وما يؤجج هذا ، إضافة إلى الفقر واللا عدالة في توزيع الدخل الوطني ، وجود 200 مليون قطعة سلاح ناري. وتوجه الصحافة والتلفازات والسينما في الولايات المتحدة الشعب إلى العنف وسط همومه اليومية نتيجة ثقافة الانحلال الإمبريالية وصل استخدام المخدرات إلى درجة الأعلى والدعارة تتزايد بكثرة، وتتعرض آلاف النسوة للاعتداء الجنسي سنويا .
وتعد السجون هي الأمكنة التي يتم فيها أكبر تجاوز لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة ويعامل موظفوا السجون المعتقلين معاملة مهينة ، خاصة السود والمهاجرين والنساء ، الذين يتعرضون لكثير من عمليات التعذيب. وتؤكد الدراسة أن السود الذين يمثلون ن 12% من السكان أمريكا يشكلون 42% من المسجونين ، وتعود هذه الفجوة الكبيرة الى السود هم الأكثر فقرا ، كما أنهم الفئة الأكثر تعرضا للظلم في توزيع الناتج الوطني. وينعكس هذا التمييز العنصري على النظام القضائي، إذ يحكم السود والمهاجرون بعقوبات قصوى في الدعاوى التي يحاكمون بها.
وتشير الدراسة إلى التعذيب والعنف داخل الولايات الأمريكية أصبح " نمط تعامل " ولي مجرد ممارسة عشوائية ، فالممارسات اللا إنسانية المطبقة في السجون تطبق في الشوارع على الفقراء والسود والمهاجرين. ولا ينجو الأطفال من تلك السياسة اللانسانية ، حيث تكشف الدراسة عن تعرض الأطفال لانتهاكات خطيرة لحقوقهم ، حيث يتعرضون للتعذيب أثناء وجودهم رهن الاعتقال .
وأظهرت دراسة لنظام قضاء الأحداث نشرت في أبريل 2003 تحت إِشراف وزارة العدل للولايات المتحدة، وست من المؤسسات الكبرى في البلاد، أن الشبان الذين ينتمون إلى الأقليات الإثنية، وخاصة الأميركيين من أصل أفريقي، معرضون بشكل أكبر لأن يسجنوا ولأن يقضوا فترات أطول في السجن من الشبان البيض الذين توجه إليهم تهم بارتكاب جرائم مشابهة.
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الثانية إلى جانب الصومال التي لم توقع بيان حقوق الطفل الصادر عن الهيئة الأمم المتحدة. وجاء في تقرير اليونسف لعام 1998 إن في الولايات المتحدة 13 مليون طفل دون الثانية عشرة يعانون من الجوع أو هم على حدود الجوع.
واتهم تقرير لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان صدر في 1998 الشرطة الأمريكية بارتكاب انتهاكات فظيعة وإتباع أساليب وحشية مع الذين يقعون في قبضتها ، مشيرة الى أن السلطات المحلية والفيدرالية ووزارة العدل تتقاعس عن التصدي لمثل هذه الانتهاكات الشائعة .
أما أفعال الشرطة التي تعد انتهاكاً لحقوق الإنسان وفقاً للتقرير فهي : إطلاق النار على الضحايا دون مبرر ، والضرب المبرح ، والخنق وغير ذلك من الأفعال المخالفة لحقوق الإنسان وتعد خرقاً للمعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. واعتبرت صحيفة الحياة اللندنية في تقرير نشر في 11 -10 -1993 عن شرطة نيويورك تحت عنوان " حاميها حراميها " ، انه " لو شاهدت شرطياً يسرق، وآخر يبيع المخدرات ،وثالثاً يقبض مبلغاً للتستر على المجرمين، أو رابعاً يضرب مواطناً مسكيناً ، لو شاهدت ذلك كله ماذا سيكون رد فعلك ؟ هل ستصدق ما ترى؟ ربما! ولكن لو كنت في مدينة نيويورك فصدق ذلك تماماً " وتضمن التقرير وقائع مفصلة حول فساد جهاز الشرطة في واحدة من اكبر المدن الأمريكية وأكثرها ثراءً وشهرة .
وإذا كانت الشرطة وإدارات السجون تمارس انتهاكاتها بحق المواطنين الأمريكيين في الداخل ، فان نشاط المخابرات المركزية الأمريكية موجه مواطني الدول الأخرى ، ويعد تجنيد مقترفي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان للعمل في صفوف أجهزة الاستخبارات الأمريكية هو التجلي الأوضح لعقلية " المافيا" والتي تحكم عمل تلك الأجهزة . وفي تقرير صدر في سبتمبر 2001 حثت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إدارة الرئيس بوش على التخلي عن سياسة اغتيال الأجانب ، وتجنيد مخبرين من مقترفي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في وكالة المخابرات المركزية.
واعتبرت المنظمة انه ينبغي على الولايات المتحدة أن تظل ملتزمة بإجراءات القضاء الجنائي ـ أي التحقيق والتوقيف والمحاكمة والعقاب، مع استيفاء كافة ضمانات المحاكمة العادلة التي تمثل عماد أي نظام لمراعاة حقوق الإنسان ـ بدلاً من إعدام غير المقاتلين أو استهدافهم. وأشارت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إلى أن المبادئ التوجيهية لوكالة المخابرات المركزية، التي اعتُمدت عام 1995، لا تحظر على الوكالة تجنيد مصادر أو مخبرين متورطين في انتهاك حقوق الإنسان؛ وإنما تستوجب موافقة المركز الرئيسي للوكالة قبل قيام العملاء الميدانيين بتجنيد هؤلاء.
الممارسات العنصرية وانتهاكات حقوق الإنسان داخل المجتمع الأمريكي
للولايات المتحدة الأمريكية تاريخ طويل مع "التمييز العنصري" وقد كان هذا النوع من التعامل حياة يومية يعيشها المواطن الأمريكي في مختلف قطاعات الحياة الإنتاجية، الاقتصادية والسياسية حتى أصبح السمة الرئيسة التي يتميز بها الشارع الأمريكي
وحتى منتصف القرن الماضي ، كان الكثير من المؤسسات والنوادي والمقاهي تضع يافطات كُتِبَ عليها بالخط العريض "يمنع دخول الزنوج والكلاب"، وكان على الزنجي الأمريكي الوقوف من مقعده في الحافلة إذا لم يكن من مقعد فارغ ليفسح المجال أمام جلوس نظيره "الأمريكي الأبيض" . وكثير من مؤسسات الخدمات العامة في المقاطعات الجنوبية في الولايات المتحدة ومنها المطاعم كانت لا تقدّم الوجبات إلى الزنوج إلا وهم واقفون، وجرت أول عملية جلوس قسري في عام 1960 ، وكانت حصيلة ذلك الجلوس القسري إلقاء القبض على 53 زنجياً والحكم عليهم بالسجن مدة أربعة أشهر في ولاية "نورث كارولينا" .
وإلى جانب الاضطهاد العنصري الذي كان يعيشه السكان السود في الولايات المتحدة، كان الظلم الاقتصادي الأكثر بشاعة، ففي الستينات كان يعيش أكثر من عشرين مليون زنجي في بيوت سكنية فقيرة قذرة مبينة من الصفيح والأخشاب في مدن الولايات المتحدة الشمالية هرباً من ظلم التفرقة العنصرية في الجنوب، ففي هذه الأماكن كان الظلم الاقتصادي يترجم إلى بطالة وفقر، كما كان يترجم إلى بحث مضني عن العمل، وعن أماكن صالحة للسكن، وجعلت هذه الأسباب من الزنجي الأمريكي نوعاً من الطاعون المقيم في وسط المدن الكبرى لا يستطيع الخروج منها والانتقال إلى مكان أكثر صحة وعافية.
وفي الوقت الذي كانت الأمم المتحدة تصدر مواثيق حقوق الإنسان مركزة على مفاهيم أكثر رقيا للحرية الفردية من مجرد حق العمل والمساواة والمعتقد ، كان أصحاب البشرة السمراء في الولايات المتحدة حتى عام 1955 لا يستطيعون الجلوس في الباصات العامة ، وكانت القوانين تقضي بعدم جلوس الزنوج في الباصات التي تقّل البيض . وكانت قائمة المطالب التي رفعها السود في عام 1955 في مدينة مونتغمري الجنوبية مجرد السماح لهم بالجلوس في الباصات العامة ولو بالجلوس في المؤخرة، وان يعاملوا بتهذيب ولياقة كمعاملة البيض ، واضطر السود الى طلب مساعدات إنسانية من اليابان لشراء ناصات خاصة بعد مقاطعتهم للأخرى المملوكة للدولة .
وما تشهده المدن الأمريكية من فترة لأخرى هو بمثابة نسخة طبق الأصل عن جولة حدثت في أواخر الستينات في عهد الرئيس ليندون جونسون حيث انفجر الغضب الأسود بعد أن قامت السلات المحلية بتحقيرهم وإذلالهم، مما اضطر الرئيس الأمريكي لأن يدفع بالجيش الفيدرالي إلى الشوارع "لضبط الأوضاع" في ديترويت وشيكاغو ونيويورك ومدن متعددة أخرى، حيث كانت الخسائر المادية بمليارات الدولارات إلى جانب عشرات القتلى والجرحى والمفقودين.
وعلى مدى السنوات التي تلت، لم تنطفىء نار العنصرية وظلت تتحرك تحت الرمال، والدلالة على ذلك تكرار حوادث العنف العنصري خلال السنوات العشرين الماضية بين البيض والسود في أكثر من مدينة أمريكية، وأبرز هذه الحوادث حادثة مقتل "يوسف هادكنز" الفتى الأسود الذي لم يبغ السادسة عشرة في حي "بروكلين" في نيويورك (1990) والتي وقعت في وضح النهار، عندما أطلق جماعة من البيض النار على يوسف وبعض أصدقائه الذين اختلفوا معهم على شراء سيارة مستعملة.
واعترف تقرير صادر عن مكتب التحقيقات الفدرالية "إف. بي.آي" عام 1999 بارتفاع جرائم الكراهية والجرائم القائمة على أساس عنصري داخل الولايات المتحدة ، مشيرا الى انه ترتكب حوالي 8000 جريمة سنويًا من تلك الجرائم . وأشار التقرير الى أن 4292 جريمة ارتُكبت في 1999 بدوافع تتعلق بلون البشرة، كما تم ارتكاب نحو 1411 جريمة بدافع ديني، بينما تم تقدير الجرائم الجنسية بنحو 1317 جريمة، فضلا عن الجرائم ذات الطابع الإثنية التي بلغت نحو 829 جريمة، مشيرًا إلى أن 19 معاقا تعرضوا لاعتداءات عام 1999 لتلك لأسباب.
ومن بين اجمالى الجرائم التي ارتكبت في أمريكا ، وقفت نوازع العنصرية والكراهية وراء 35 % منها . وأشار التقرير إلى أن السود كانوا أكثر ضحايا جرائم العنصرية بنسبة 37 % .
ولم تنج المرأة الأمريكية من تلك الممارسات ، حيث استمر تميز الرجل عن المرأة العاملة من حيث الأجر ، فعلى سبيل المثال نسبة دخل المرأة إلى دخل الرجل في الوظائف التنفيذية ـ كمديرين ومسؤولين ـ تصل إلى 63%، وفي الوظائف التي تعتمد على التقنية ـ كخبرات ـ تصل إلى 69 % أما الوظائف الإدارية فالنسبة تصل إلى 74 % .
وخلال السنوات العشر الممتدة من العام 1982 وحتى العام 1992 صدر تقريران عن هيئات رسمية أمريكية كانت قد شكلت لدراسة الأوضاع الاجتماعية في أمريكا، أحدهما أصدرته لجنة رئاسية اسمها "لجنة الامتياز في التربية" في العام 1983 تحت عنوان "أمة على حافة الخطر" وتناول تأثير نظام التربية والتعليم على الأخلاق والقيم ومستقبل المجتمع الأمريكي وإمكانية استمراره أو عدمها، وأحدث ضجة هائلة في أوساط الرأي العام في الولايات المتحدة لأنه وصف حالة النظام والتعليم الأمريكي بأنها "ما كان يمكن أن تكون أسوأ لو أن هذا النظام وضع تحت توجيه أعداء أمريكا بهدف تدمير مستقبلها " . أما التقرير الآخر، وهو الأكثر أهمية لأنه يتعاطى مع وقائع وحقائق ملموسة ، فقد صدر في سبتمبر 1991 بعنوان "الفقر وعدم المساواة وأزمة السياسة الاجتماعية" وركز على ظواهر نسبة العوز والحاجة والفروق الطبقية، وأوضاع الفئات المختلفة في المجتمع الأمريكي، خصوصاً الأقليات الملونة مثل السود والهنود الحمر الأمريكيين من أصل لاتيني والمهاجرين الآسيويين.
والملفت في تقرير "الفقر وعدم المساواة وأزمة السياسة الاجتماعية" في أمريكا، أنه جاء نتيجة لدراسة عدد كبير من الخبراء الأساتذة الجامعيين والباحثين الميدانيين الذين قارنوا الأوضاع السائدة في الولايات المتحدة بتلك السائدة في دول الغرب الأخرى .
وفقاً لنتائج التقرير " الجوع " الصادر في عام 2001 ، فإن معدل الفقر بين البيض في الولايات المتحدة في عام 1992 وصل إلى 15,3% بينما يصل معدله بين السود إلى 49,3%، أي أن نصف السود الأمريكيين يعيشون تحت "خط الفقر". ويكشف التقرير عن ارتفاع عدد الجياع في الولايات المتحدة بشكل مخيف ، حيث بلغ عددهم نحو 34 مليون شخص معظمهم من السود والهنود الحمر أي من الأقليات الملونة في أمريكا عانوا من الجوع ، وذلك مقارنة بـ 28 مليون في عام 1989 .