مفهوم العلم
يعدّ مفهوم العلم من المفاهيم الرئيسية في الدراسات المعاصرة؛ وتترجم الكلمة الإنجليزية Science إلى لفظة علم، ويقابلها في اللاتينية Scientia وفي الفرنسية Science، وقد دخلت كلمة عالم Scientist إلى اللغة الإنجليزية حوالي 1840م لتميِّز أولئك الذين يبحثون عن قوانين تجريبية في الطبيعة عن الفلاسفة والمفكرين، وعادة ما ينظر إلى الباحثين في المنطق والرياضيات على أنهم علماء، على الرغم من توقُّف اعتبار الرياضيّات علمًا تجريبيًا في الفترة من سنة 1890م إلى سنة 1910م، واسم عالم يُعطى أيضًا للمتخصصين في العلوم الاجتماعية تقريبًا دون تقييد.
والعالم في الغرب هو صاحب المعرفة العلمية الذي يضيف إلى ما هو معروف في العلم بالبحث ووضع الاكتشافات أو تدريس العلم في المؤسسات العليا للتربية لعِلْـمُ، بالمفهوم الشامل للكلمة، هو كل نوع من المعارف أو التطبيقات. و هو مجموع مسائل و أصول كليّة تدور حول موضوع أو ظاهرة محددة و تعالج بمنهج معين و ينتهي إلى النظريات و القوانين( ).
ويعرف أيضا بأنه الإعتقاد الجازم المطابق للواقع و حصول صورة الشيء في العقل ( ). و عندما نقول أن العلم هو مبدأ المعرفة، وعكسه الجَهـْلُ أو إدراك الشيءِ على ما هو عليه إدراكًا جازمًا ( ) يشمل هذا المصطلح، في إستعماله العام أو التاريخي، مجالات متنوعة للمعرفة، ذات مناهج مختلفة مثل الدين (علوم الدين) و الموسيقى (علم الموسيقى) و الفلك (علم الفلك) و النحو (علم النحو)...
وبتعريف أكثر تحديدًا، العِلْـمُ هو منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج علمي دون سواه، أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها و نتوصل إليها بواسطة هذه الطريقة( .) عبر التاريخ إنفصل مفهوم العِلم تدريجيا عن مفهوم الفلسفة، التي تعتمد أساسا على التفكير و التأمل و التدبر في الكون و الوجود عن طريق العقل، ليتميز في منهجه بإتخاذ الملاحظة و التجربة و القياسات الكمية و البراهين الرياضية وسيلة لدراسة الطبيعة، و صياغة فرضيات و تأسيس قوانين و نظريات لوصفها. ( )
يتطابق ظهور العِلم مع نشأة الإنسانية، و قد شهد خلال تاريخه سلسلة من الثورات و التطورات خلال العديد من الحقبات، لعل أبرزها تلك التي تلت الحرب العالمية الثانية، مما جعل العلم ينقسم لعدة فروع أو عُلُوم. تصنف العلوم حسب العديد من المعايير، فهي تتميز بأهدافها و مناهجها و المواضيع التي تدرسها:
حسب الأهداف، نميز العلوم الأساسية (مثل الفيزياء) و العلوم التطبيقية (مثل الطب).
حسب المناهج، نميز العلوم التجريبية (أي تلك التي تعتمد على الظواهر القابلة للملاحظة و التي يمكن اختبار صحة نظرياتها عن طريق التجربة) و العلوم التجريدية أو الصحيحة (المعتمدة على مفاهيم و كميات مجردة، والاستدلال فيها رياضي–منطقي).
حسب المواضيع، نميز:
العلوم الطبيعية (الشاملة كالفيزياء و الكيمياء أو المتخصصة كعلم الأحياء أو علم الأرض).
العلوم الإنسانية أو البشرية وهي التي تدرس الإنسان و مجتمعاته (علوم إجتماعية) و الإقتصاد و النفس...
العلوم الإدراكية مثل العلوم العصبية و اللسانيات و المعلوماتية...
العلوم الهندسية.
و للعلم ثلاثة تعريفات:
1. العلم هو المادة المعرفية: و هو التعريف التقليدي للعلم.
له عدة مساوئ منها: عدم القدرة على توظيف العلم في الحياة اليومية و الجمود، و يستخدم في طرق تدريسها التلقين.
2. العلم هو الطريقة التي تم التوصل بها للمواد المعرفية: وهي تناقش طرق العلم (يتضمن الطرق والأساليب والوسائل التي يتبعها العلماء في التوصل إلى نتائج العلم).
3. العلم هو عبارة عن المادة و الطريقة.
يتضمن العلم مكونات ثلاثة رئيسة وهي:
العمليات
يتضمن الطرق والأساليب والوسائل التي يتبعها العلماء في التوصل إلى نتائج العلم.
الأخلاقيات
يتضمن مجموعة المعايير والضوابط التي تحكم المنشط العلمي، وكذلك مجموعة الخصائص التي يجب أن يتصف بها العلماء. و تسمى بنية العلم.
النتائج
يتضمن الحقائق والمفاهيم والقوانين والنظريات التي تم التوصل إليها في نهاية العلم.
إن الاتجاه الفلسفي أو العقلي في تعريف العلم أو تفسيره يعتمد أساسا على مبادئ أربعة:
1. الصرامة في المنهج، بحيث يجب على كل أنواع البحث أن تحترم المعايير العلمية، ولو في حدودها الدنيا من الصرامة، مثل التماسك المنطقي الداخلي بين الأفكار، والتطابق بين النظرية والظواهر التي تحكمها، باستثناء بول فرايند الذي يرى أن كل شيء مسموح به، فيما يتعلق بالمنهج.
2. الموضوعية والتعميم، فالخطاب تفترض فيه الموضوعية، فالمعادلة: E = MC2 مثلا صحيحة في مكة وطوكيو وواشنطن، عند المسلم والنصراني والبوذي.
3. تراكم المعرفة وتقدمها، بحيث تضاف معرفة جديدة إلى معارف قبلها باستمرار، فيكون تاريخ العلوم في تطور مستمر.
4. التحقق والدحض، فكل علم جدير به أن يراقب خطابه بنقده ومناقشته ومواجهته بالوقائع بالبرهنة على نتائجه، ووضع قاعدة لها موثوق بها مؤقتا على الأقل، وإن كانت هذه النتائج ذات صبغة احتمالية، ومع ذلك فالخطأ يكمن في قلب المنهج العلمي، وفي لب الروح العلمية من الصعب تفاديه دائما، ولهذا فإن وظيفة المنهج العلمي هي الكشف عن الأخطاء التي تعاني منها الحقائق العلمية، فالروح العلمية إن هي إلا مقاومة متواصلة للضلال، ولا يتقدم العلم إلا بالنقد والمعارضة، إذ إنه لا يقوم على أرض مضمونة دائما.
أما الاتجاه التاريخي الاجتماعي في تفسير العلم، فيعتمد على التحليل التاريخي للعلم، تحليلا قائما على علم الاجتماع أو علم النفس، ويرى أصحابه أنه إن كان العلم ثقافة مثل سائر الثقافات، وإذا كانت إرادة الصرامة في العلم والاهتمام بالموضوعية الذي يبديه العلماء أمرا مسل ما به، فإنه مع ذلك تختفي وراءه بشعور أو بدونه مسلمات لا برهان عليها، وأيديولوجيات، وأهواء مضمرة، وممنوعات أيضا.