في تاريخ احتفالي على نحو خاص (10/10/2010)، قررت حكومة إسرائيل إلزام المتجنسين غير اليهود أداء قسم الولاء للدولة اليهودية الديمقراطية. لم يكن النقاش عاصفاً، ولم تكن المعركة متقاربة؛ فقد أيد القرار 22 وزيراً ووزيرة وعارضه 8 فقط.
يصعب أن نجزم هل القرار مصيري أم لا. أيده اسرائيليون كثيرون، وبقي بعضهم غير مكترثين، واعتقد كثير من منتقديه أنه غبي في الأساس. كانت قوته في الأساس في الشعور المقلق بأنه يُثبّت – لأول مرة على نحو رسمي – تيارات قوية تُغرق في السنة الأخيرة المجالين العام والسياسي. اعتادوا في تظاهرات اليسار الاسرائيلي طوال السنين أن ينادوا بالشعار الحربي: "الفاشية لن تمر!"، لكن اليسار بدأ يتلاشى، وأخذت الفاشية تمر.
تؤيد أجزاء كبيرة من الجمهور اليهودي مبادئ قومانية وفاشية بيّنة، كما يثبت ذلك استطلاع "ملحق السبت" والدكتورة مينا تسيمح، الذي ينشر في هذه الصحيفة: فهنالك تأييد لتقييد حرية التعبير، وتأييد لتقييد حرية التظاهر ضد النظام الحاكم، وتأييد لتحديد حق الانتخاب لليهود فقط، وتأييد لإعلان الولاء لدولة يهودية.
لا تُمكّن هذه المعطيات، في ضوء ثقل الأحداث والكشوف، من التهرب من التساؤل بصوت عالٍ: هل هاجرت الفاشية هجرة رسمية إلى دولة اليهود؟.
مجرد طرح السؤال يثير عدم الارتياح. نبتت الفاشية في أوروبا، وشاعت في أنحاء العالم، وعُدّت أبرز ظاهرة تاريخية في القرن العشرين. فقد عانت شعوب كثيرة من انتشارها ورسوخها في مراكز حاكمة، لكن لم يوجد شعب تضرر منها أكثر من اليهود. يفترض أن تكون فكرة وجود فاشية حقيقية في إسرائيل غير متصورة. يُسميها البروفيسور روبرت فيكستون، من كبار باحثي الفاشية في العالم "ذروة السخرية".
من جهة ثانية، فإن المفاجأة والقدرة على الانفجار الدائم من أسس قوة هذه الظاهرة. "قضيتُ عشرات السنين من حياتي في بحث الفاشية"، يقول البروفيسور زئيف شتيرنهيل من الجامعة العبرية. "خلصتُ سريعاً جداً الى استنتاج انه لا يوجد مجتمع ولا ثقافة منيعان في وجه هذه الظواهر، لكنني بطبيعة الأمر لم أحسَب أن نُدفع الى هذه الورطة بأنفسنا.
"لست على يقين من أن قرار الحكومة، مطلع الاسبوع، نقطة تحول حادة. لكنه مهم، لأن المعيار الجديد أُعطي شرعية: قانون يُفرق بين الطوائف السكانية تفريقاً رسمياً. ومن المؤكد أن هذا يتناقض مع الديمقراطية".
جمهورية فايمر
لم يفلت شتيرنهل نفسه من الفاشية، فقبل سنتين، وبعد أشهر معدودة من فوزه بجائزة إسرائيل عن مشروعه البحثي في العلوم السياسية، أُصيب برجله بشحنة متفجرة في أنبوب وُضعت على مدخل بيته في القدس. اتجه شك الشرطة الى عناصر من اليمين المتطرف، لكن لم يُدن أحدٌ حتى الآن.
لم يهب شتيرنهل لربط الانفجار الخاص بالنقاش العام: "الأمر المهم هو ما يحدث للمجتمع الإسرائيلي، وجميع الأمور متصلة معا: "اذا شئتم"، وتكميم الأفواه، وتغيير الخطط الدراسية، ورفض الاعتراف بحقيقة أن حرب الاستقلال سببت كارثة لأشخاص آخرين، ومهاجمة حرية التعبير في العالم الأكاديمي، وهذا القانون الأخير. يتصل كل ذلك بطائفة واحدة تُغيّر منهاج التفكير وحياة مجتمع يستحق اسمه. يُذكر هذا أحيانا بالجو في جمهورية فايمر أو بالثلاثينيات في فرنسا. يُنشئ هذا جواً صعباً".
إعلان الاستقلال عن الفاشية !
في مقابل هذا يقوم علماء آخرون ويحذرون من ترخيص استعمال المصطلح. "السؤال هو هل يوجد تهديد للديمقراطية"، يزعم البروفيسور يوسي شاين من قسم العلوم السياسية في جامعة تل ابيب. "فالفاشية تلغي الديمقراطية، وتعيب الخطاب الديمقراطي. هي في ظاهر الأمر تتحدث بصدق، وباسم إرادة الشعب الأصيلة التي وطأتها أحزاب ومجموعات من الأقلية. يصعب أن نقول إن هذه الظواهر قوية في إسرائيل".
في صباح الأربعاء قام بضع مئات من الشبان من خريجي حركات الشباب بمظاهرات تمت على التوازي إزاء الكنيست، وفي تل ابيب، وعكا وحولون والعفولة وبئر السبع. احتجوا على قرار الحكومة، مطلع الأسبوع، وسمّوه عنصرياً ومعادياً للديمقراطية. كان هذا استمراراً لعمل احتجاجي من مفكرين، بمن فيهم الممثلة حنة مارون، والأديب يورام كنيوك والنحات داني كرفان، في يوم قبول تعديل قانون الجنسية. اجتمعوا في تل ابيب وقرأوا وثيقة الاستقلال ونشروا في الغد وثيقة جديدة: "إعلان الاستقلال عن الفاشية".
أعلن أحد مبادري الإجراء، وهو الأديب والصحافي سافي رخلفسكي أن "هذا الشعب الناجح المسكين، الذي تعرض لمطاردات ومحرقة يستحق الاستقلال والديمقراطية والحياة الحرة بعيداً عن الفاشية. لا يدور الصراع الحقيقي اليوم بين اليساريين واليمينيين بل بين الديمقراطيين والفاشيين".
لا شك في أن الميدان يسخن بشأن هذا الموضوع. ولا يوجد أيضاً جدل حقيقي في أنه لا يسود إسرائيل الآن نظام فاشي. والسؤال المهم هو هل تهب هنا رياح فاشية وما قوتها؟. بيد أن إحدى المشكلات الكلاسيكية للفاشية – وكأنها ليست منفرة ومهددة بقدر كاف – هي تملصها. فمن الصعب جدا تعريفها ولا يوجد لها أيضا مفكرون مؤسسون.
الجوهر قومية متطرفة. قال فاكستون انه "يمكن تعريف الفاشية على انها سلوك سياسي يتميز بعلاج وسواسي لتدهور الجماعة أو ذلّها أو مكانتها بصفتها ضحية، وطقوس تعويضية من الوحدة والطهارة".
أصدر فاكستون في السنة الماضية بالعبرية كتاباً يوضح جوهر الفاشية: "تشريح الفاشية" (اصدار كتب "عليات هغغ" ومكتبة "يديعوت احرونوت"). يؤكد، أكثر من تأكيده على العقيدة، على صورة العمل الفاشي والمشاعر القائدة، وهي الشعور بأزمة، وتفوق الجماعة والخوف من تهاويها، والحاجة الى صوغ جماعة أطهر، والحاجة الى قادة ذوي سلطة، وحق الشعب المختار في السيطرة على الآخرين بلا أي قيد.
يتحدث فاكستون عن "نشطاء قوميين يملؤهم الالتزام، يعملون في تعاون ناجع مع نخب تقليدية"، ومثّلت جلسة الكنيست الأخيرة هذه الظاهرة جيداً. فقد وضع أعضاء الكنيست، محمولين بتأييد فئات عريضة من الجمهور، على مائدة الجلسة جملة اقتراحات لقوانين قومانية وغوغائية.
اقترحت رونيت تيروش، عضو "كديما"، قانونا ضد جهات "تحاول تقويض الدولة وتضرّ بها"، بذريعة أن الدولة "في حضيض دعائي"، و"من المؤسف جداً أنه في هذا العصر خاصة، وعلينا أن نكون موحدين في وجه اتهامات لا أساس لها، حيث نشهد روابط ومنظمات إسرائيلية تعمل من تحت الأرض ضد اسرائيل".
واقترح زئيف ألكين، من "الليكود"، أن يُحظر على اسرائيليين تأييد "مقاطعات أكاديمية واقتصادية وغيرها تُفرض على الدولة أو مواطنيها أو مؤسسات فيها". واقترح عضو كتلته الحزبية، أوفير أكونيس، إعلان الجناح الشمالي من الحركة الإسلامية تنظيماً محظوراً. واقترح الكاهاني، ميخائيل بن أري، عضو الاتحاد الوطني، في قانون السينما "منع وضع يحظى فيه منتجو فيلم إسرائيلي بدعم من دولة إسرائيل إذا كانوا ينددون في الوقت نفسه بالدولة". ووجه بن أري أيضاً إصبعه إلى أن أصل المشكلة هو أن دفاع سلطة القضاء عن حرية التعبير هو الذي شجع "أقوالاً قاسية وآراء تثير الغضب والنقمة من قبل منتجين إسرائيليين".
بلغت الظاهرة رأس الهرم التشريعي. فقد أثار دافيد روتم من "اسرائيل بيتنا"، رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء، اقتراحين يمنحان خريجي الخدمة العسكرية أو الوطنية امتيازاً: اشتمل أحدهما على امتيازات اجتماعية وامتيازات في السكن، والثاني على امتياز في الحصول على وظائف حكومية.
"في كل مرة أعلو فيها منصة الخطباء في الكنيست"، يقول روتم في محادثة من بكين، "أتلقى صيحات "أنت فاشي، وأنت عنصري". من السهل جدا تكميم فمي. يمكن أن يُقال عن كل شيء إنه فاشية، لكن هذا ترخيص لهذا المصطلح.
"أعترف أنني فخور بدولتي، وسأحارب من اجل دولتي وسأدافع عن دولتي. هل يجعلني هذا فاشياً؟ ليس الفاشي من يريد الحفاظ على دولته بل هو شخص يؤمن بأن الدولة هي أعلى قيمة عنده في الحياة، وهي لست كذلك".
منزلق خطير
"يمكن بيقين أن نقول انه توجد اليوم في إسرائيل اتجاهات فاشية مقلقة"، ترد البروفيسورة نعومي حزان، عميدة معهد الإدارة والمجتمع في الكلية الأكاديمية تل ابيب – يافا. "التعبير الرئيس هو انه لا يوجد خطاب عام مفتوح، بل العكس؛ توجد قوى تعمل طول الوقت على تحجيمه. يتحدثون فقط من هو الوطني ومن هو غير الوطني. لا يوجد نقاش في المضامين والأفكار بل في الولاء والإخلاص فقط.
"هذا المسار منزلق خطير. إن الناس تقلقهم الشؤون اليومية، ولا ينتبهون إلى أن هذا يحدث لهم رغم أنوفهم. يجري في هذه الدولة تغيير جوهري، ولا ينتبه أحد الى أنه يزحف. إن حملة انتخابية شعارها "لا جنسية بلا ولاء" هي حملة انتخابية عنصرية. في اللحظة التي تمر فيها حملة كهذه بهدوء، نصل نحن ايضا بسهولة الى سن قانون عنصري، ويصبح المنزلق أكثر حدة، وعندما تتدهور الامور، ولا يستطيع أحد وقفها".
تعلمون أن للبروفيسورة حزان ايضا قبعة اخرى. فهي ترأس "صندوق إسرائيل الجديد". كان هذا الجسم، حتى مطلع السنة وهو الذي يجمع منذ سنين تبرعات ودعماً من عشرات المنظمات والمؤسسات، مجهولاً للجمهور العريض. بيد أنه شُرع في كانون الثاني بحملة منسقة للتعريف به.
جرى إنفاق مبالغ ضخمة على الحملة ونفذتها في الميدان حركة "اذا شئتم"، وقد انضم إليها عدد من الصحافيين الموجَهين جيداً. اتُهم الصندوق في البدء بدعم منظمات تسببت في تسويد وجه إسرائيل من خلال تقرير غولدستون. كانت الوسائل بعيدة المدى: نشرات في جميع مواقع الانترنت الرائدة، وإعلانات في الصحف ولا سيما مئات اللافتات الكبيرة في أنحاء البلاد. ظهرت فيها جميعا صورة حزان، وهي أكاديمية ذات صيت وكانت في الماضي عضو كنيست جليلة، وعلى جبهتها قرن حاد. أثارت الصورة تداعيات معادية للسامية. كان مكتوباً الى جانبها: "نعومي غولدستون حزان". بل إن أعضاء "إذا شئتم" تنكروا في احدى المظاهرات بملابس رجال "حماس" يحملون لافتات تأييد للصندوق ورئيسته.
بعد ذلك بعدة شهور نشرت الحركة تقريراً آخر، كان هذه المرة في موضوع دعاوى قضائية ضد مسؤولين كبار في الجيش والإدارة الإسرائيلية في محاكم خارج البلاد. وكانت الدعوى أن الصندوق مسؤول عن هذه الدعاوى. أعلن العنوان: "نحن نهتف إجلالا وهم يطاردون. أيها الدساسون، ضقنا بكم ذرعا". كان التوقيت بعيداً من أن يكون عرضياً، فقد كان مساء ذكرى ضحايا الجيش الإسرائيلي. في ذلك الوقت أطلق عمير بنيون الى الراديو أغنية جديدة بتشجيع من أفراد "اذا شئتم". هاجمت الأغنية بشدة يساريين يطعنون ظهور إخوانهم المحاربين بالسكين، في حين يحارب هؤلاء من اجل الدولة (بالمناسبة سُرح بنبون من خدمته في الجيش بعد شهور معدودة كان يلبس فيها الملابس العسكرية).
وفي رد على الأحداث بدأ الصندوق الجديد حملة دعائية على الانترنت للرد تحت عنوان "لن نسد فمنا – المعسكر الديمقراطي يرفع رأسه".
أنتجت حروب الشبكة فروعاً اخرى. ففي بداية شباط انشأ روعي يالين، الذي كان المتحدث بلسان "ميرتس" في الماضي، جماعة فيس بوك اسمها "اذا شئتم حركة فاشية". وقد حشدت في زمن قصير آلاف المؤيدين، وأدارها مع يالين عدد من النشطاء والإعلاميين. بعد مرور عدة شهور تلقوا رسالة من المحامي نداف هعتسني هدد باسم موكّله "اذا شئتم" بدعوى تشهير بقيمة 6ر2 مليون شيقل. اختارت الجماعة الحفاظ على سمعتها ورفع أفراد "اذا شئتم" الدعوى القضائية زاعمين أن اسم "فاشية" يضر بسمعتهم الطيبة، وأنهم في واقع الأمر حركة مركز صهيونية. وستبدأ المحاكمة قريباً.
عنصرية يهودية
"الفاشية مصطلح تاريخي، يختص بفترة متميزة جداً، ذات مشكلات متميزة جداً. لا يمكن نقل هذا المصطلح ثمانين سنة الى الأمام"، يقول الدكتور عوديد هيلبرونر، المختص بالتاريخ الالماني. "كانت في التاريخ الإسرائيلي لحظات بدا فيها خطر الفاشية على الأبواب، ولم يحدث شيء، فقد كان حيروت وبيغن في الخمسينيات، أو كهانا وصعود غوش ايمونيم بعد حرب الايام الستة، ولن نتحدث عن الثلاثينيات والأربعينيات، حيث كان ليحي و"حلف الزعران" لا يُريان فاشيين فقط بل نازيان أيضا. يوجد الآن نقطة أخرى، إذاً، والسؤال هل هذا ارتفاع رتبة أم صيحة "ذئب، ذئب" أخرى في سلسلة طويلة.
"أحد الأسئلة هو من الذي يُعرّف. فقد عرّف موسوليني وفرانكو وبارون أنفسهم بأنهم فاشيون. وفي إسرائيل يُعرّف اليسار على نحو عام عناصر بأنها فاشية. ربما أصح من ذلك أن نتحدث بدل الفاشية عن قومية يهودية أو عنصرية يهودية، تواصلان تراثاً عمره آلاف السنين، منذ أيام عزرا ونحاميا ونهاية أيام الهيكل الثاني بطبيعة الأمر".
لكن لماذا تهاجمنا هذه القومانية والعنصرية على العموم؟ ولماذا الآن خاصة؟ "كانت البن غوريونية براغماتية"، تُبين البروفيسورة يولي تامير، التي كانت في الماضي وزيرة التربية والتي اختصت في الاكاديميا بالقومية. "كان إنشاء دولة عملاً براغماتياً. لم يشأ بن غوريون قط أن يُبين حتى النهاية ما الذي قصد إليه عقائدياً. أرادوا نتائج وكانوا أقل اهتماماً بأن يكونوا عادلين.
"حل محل هذه القيادة جيل لا يطمحون الى البناء بل الى إثارة النقمة. يريدون امتيازاً بالقول لا بالفعل. ولهذا يزداد القول حدّة. يوجد ميل في سياسة الإعلام إلى جعل المواقف أكثر تطرفاً من أجل البروز".
"كانت ردود الإسرائيليين على الانتفاضتين خليطة"، كتب فاكستون. "كانت الهوية القومية الإسرائيلية متصلة باحترام حقوق الإنسان اتصالا وثيقا. ضعف هذا الكابح بسبب اتجاهين: تشديد المواقف إزاء التشدد الفلسطيني وانتقال مركز الثقل في السكان من اليهود الأوروبيين، الذين هم الحملة الرئيسيين للتراث الديمقراطي، الى يهود من شمال افريقيا وأماكن أخرى في الشرق القريب لا يكترثون لهذا التراث".
اختص البروفيسور رعنان راين، وهو مؤرخ ورئيس مركز دانيال ابراهام للدراسات الدولية والاقليمية في جامعة تل ابيب، بالغوغائية الاميركية الجنوبية والفاشية الأوروبية. يقول راين: "صحيح أننا نشهد في السياسة والمجتمع الإسرائيليين ظواهر خطرة من القومانية، وكراهية الأجانب، والمكارثية، لكن من غير الصحيح أن نسمي هذا بالفاشية. هذا ليس صحيحا من جهة بحثية – أكاديمية بسبب البُعد الديني قبل كل شيء، الذي غاب عن الفاشية الأوروبية. وتمييز هذه الاتجاهات من جهة سياسية وتكتيكية بأنها فاشية سيثير المعاداة ويصرف النقاش عن الأمراض والأخطار فقط".
ليس الجميع منضبطين مثله. "لست على ثقة بأن جميع عناصر الفاشية موجودة هنا، لكن عنصراً واحداً ينمو – وربما يجب أن يقلق أكثر من كل شيء – وهو العنصرية"، تقول البروفيسورة غاليا غولان، رئيسة معهد الادارة في المركز المتعدد المجالات في هرتسليا. "أتحدث عن عدم تسامح عرقي أو قومي يُثبّت بقانون عنصري. تعريف "الولاء" متصل بالعرقية أو الدين أو العنصر. لا يفترض أن تقبل الديمقراطية واحداً منها. لكنها حيوية بيقين من أجل صياغة مختلفة عن الفاشية، والفاشية النازية فوقها كلها بطبيعة الامر.
"العنصر الثاني هو القومانية المتطرفة، التي بدأت تنمو في العام 1967 ولا سيما الصهيونية المتدينة. قوى القومانية المتطرفة هذه اليوم قريبة من مقود الحكم، والتأليف بين العنصرية والقومانية موجود في ثقافتنا السياسية".
أوروبا كلها تسأل
هل توجد عندنا هنا فاشية أم لا؟ إن البلبلة وطمس الحدود وعدم الاتفاق لا تشهد بالضرورة على وجود نقاش عقيم. فقد تكون نتاج وضع مركب. "يصارع المجتمع في إسرائيل اتجاهين في الآن نفسه: الفاشية والليبرالية أيضا"، يُبين عالم الاجتماع البروفيسور يغيل ليفي.
"يسير الاتجاهان بالتوازي في أقسام مختلفة من المجتمع، ويتطوران ايضا على أن أحدهما رد على الآخر. لنأخذ على سبيل المثال الاكاديميا: إن طلب إقصاء محاضرين ونصوص لا تقبل صبغة اسرائيل الصهيونية، وحينما تكون نقطة الانطلاق تفسيراً محدداً جدا للصهيونية، ما كان يمكن أن يولد لولا أن هبّت على الاكاديميا رياح ليبرالية، مكّنت من نشوء تيار "ما بعد الصهيونية".
"وعلى القدر نفسه ما كان طلب إعلان الولاء لينشأ لولا تباشير الثورة المدنية لـ "عرب اسرائيل". فقد اندمج هؤلاء في السياسة، وهم يناضلون من أجل مكانتهم على أنهم مواطنو الدولة مع عرض تصور متحّدٍ لهويتهم، ويندرجون، وإن كان ذلك ما يزال تحت قيود، في مهن حرة في سوق العمل. وكذلك حملة المتهربين من الخدمة العسكرية العنيفة رد على الليبرالية التي أضعفت الخدمة العسكرية بصفتها امتحاناً مدنياً وحيداً، وعمّقت نسب الإعفاء من التجنيد".
"يُستعمل مصطلح الفاشية في البلاد لسلب الشرعية"، يقول البروفيسور شاين. "لا أعتقد انه يوجد في إسرائيل كراهية أجانب كما نرى في أوروبا. توجد كراهية للعرب في دوائر كثيرة، لكن لا يمكن أن نتجاهل محاولة الأقلية العربية تقويض وجود الشعب اليهودي في الدولة. دخل هنا موضوع اليمين الليبرماني، لكن الفاشية؟ إن الاسئلة عن صورة الدولة والهوية الوطنية والكرامة القومية أسئلة كبيرة تُسأل في أوروبا كلها. ومن الشرعي بحثها.
"الخطابة هي المشكلة، حيث تدخل هنا أقوال غوغائية. فعندما تبدأ تسمية هذا بعد صهيوني وذاك فاشيا، لا تعلم أين يبدأ النقاش وأين ينتهي".
لم تُذكر شخصية ليبرمان هنا عرضا. فقد قاد شعار "لا جنسية بلا ولاء" حملته الانتخابية الأخيرة. وقد كتبه بالمناسبة رافي برزيلاي، الذي هو من مؤسسي ورواد حركة "دور شلوم" والذي يُعرّف نفسه اليوم بأنه محافظ جديد. اليكم حكاية تاريخية صغيرة اخرى (بالمناسبة، ودون أي محاولة للمقارنة، نشأ كثير من الفاشيين في بداية طريقهم في حركات يسارية، وموسوليني أبرزهم).
ليبرمان
"إن مركزية زعيم قوي هي جانب من المهم بحثه في نقاش الفاشية"، يقول البروفيسور راين. "يصعب على نتنياهو في العام 2010 أن يشغل هذا الدور. ومن المؤكد أن لا أحد من قادة الاحزاب المتدينة يستطيع أن يشغله. فالسؤال ذو الصلة هو ليبرمان. لا شك في انه توجد خصائص قيادة قوية الحضور في صور عمله، وهذا يؤثر في أوساط ما. السؤال الرئيس هو هل ينجح في استعمال ذلك السحر الذي يؤثر في الإسرائيليين الذين جاءوا إلى هنا من دول الاتحاد السوفييتي السابق وفي أوساط أخرى أيضا. أعتقد انه سيصعب عليه ذلك".
لكن ليس الجميع مطمئنين كثيراً. فـ "ملحق السبت" يُبرز ليبرمان جدا على أنه تهديد لكثير من الإسرائيليين. فقد أجاب ما لا يقل عن 60 في المائة منهم بأنه يُسهم في زيادة اتجاهات قومانية متطرفة تبلغ الفاشية، وهذا معطى مدهش. "استطاعت الصهيونية دائما أن تؤسس نفسها على طمس واعٍ لحدود المبادئ الأساسية"، تتناول يولي تامير إسهام ليبرمان، "لأنها علمت أن مطّ المبادئ وراء حدها المنطقي يفضي الى كارثة. إن القدرة على التوصل الى مصالحات غير واضحة وغير قاطعة هي التي ضمنت مستقبل الصهيونية. يدفع ليبرمان بالمبادئ الصهيونية الى الحد الأقصى، وبذلك يقضي عليها".
ليست شعبية ليبرمان ورسائله الضخمة بين المهاجرين من رابطة الشعوب مفاجئة. يشير فاكستون وباحثون آخرون في العقد الأخير الى أن أخصب ارض اوروبية لنمو حركات وأفكار فاشية هي ارض الاتحاد السوفييتي السابق. وهذا بطبيعة الأمر سخرية تاريخية، لأن الفاشية رأت البلشفية والشيوعية أكبر عدوّين لها. لكن مع انهيار الكتلة السوفييتية بدأت ملايين كثيرة تتبع قومانية بارزة. وهم يُجلّون أيضا قادة ذوي سلطة غير ديمقراطيين من طراز بوتين.
إن عدداً من أعضاء "إسرائيل بيتنا" نشطاء جدا في جبهة الحماسة. فالى جانب عضو الكنيست روتم يمكن أن نعُد انستاسيا مخائيلي. فقد انقضت في الأسبوع الماضي على مؤيدي زيادة أرباح الدولة من التنقيب عن الغاز ودعت الى تحقيق لماذا يساعدون أعداء إسرائيل. بعد القافلة البحرية التركية الى غزة شاجرت ميخائيلي فوق منصة الخطباء في الكنيست عضو الكنيست حنين الزعبي، وعُدّت ضمن الأكثرية التي أيدت سلبها حقوقها البرلمانية على أثر وجودها فوق متن سفينة "مرمرة".
يهودية من أجل الكراهية
قرر حزب "البيت اليهودي" المتعثر، وهو وريث "المفدال"، أن يرفع رأسه في الاسبوع الماضي. فقد هاجم شبان الحزب، في إجراء حظي بتأييد متحمس من عضو الكنيست زفولون أورليف، المدير العام لشركة "إل عال" وقائد سلاح الجو السابق، الجنرال (احتياط) اليعازر شكدي، الذي ضم توقيعه الى رابطة تؤيد تسوية سياسية تشتمل على إخلاء المستوطنات. طلب المحتجون من شكدي الاستقالة أو أن تُقيله الشركة. "لا أريد السفر مع شركة يساريين"، علل اورليف الذي كان منذ زمن قريب علامة معتدلة في
الفاشية الكلاسيكية تتحلل من الدين وتطمح الى أن تحل محله لتكون مركز قوة وحيدا.
"إن عمليات الانتفاضة الثانية جرّت حتى ديمقراطيين اسرائيليين كثيرين الى اليمين"، كما يحلل فاكستون. "كان يمكن في العام 2002 أن نسمع في الليكود وفي احزاب متدينة لغة تقترب من الفاشية: فالشعب المختار بدأ يبدو مثل عِرق أسياد يزعم أن له "غاية في العالم"، ويطلب لنفسه "المجال الحيوي"، ويشبّه العدو بالشيطان الذي يعوقه عن تحقيق غايته، ويقبل أن القوة ضرورية لاحراز هذه الأهداف".
"توجد قوانين الجنسية في العالم كله"، يقول البروفيسور شاين. "فمن شاء أن يكون مواطناً انجليزياً أدى يمين الولاء للملكة. ليس عندي مشكلة أن يؤدي الجميع يمين الولاء. في اسرائيل، في اللحظة التي نحاول أن نقول فيها أن يؤدي غير اليهود يمين الولاء في حين أن المتدينين الذين لا يقبلون البتة فكرة الدولة الديمقراطية، يتلقون الجنسية آليا – يكون ذلك تناقضا وإن لم يكن فاشية.
"المشكلة الحقيقية عندما يدخل الجدل قوى متدينة قومانية تعيب على الدولة وعلى الديمقراطية. ليسوا فاشيين بحسب التعريف لكنهم خطرون وعنيفون. فقد قتلوا هنا رئيس حكومة من قبل".
يضيف البروفيسور يغيل ليفي انه "مثل الفاشية الاوروبية الحالية، تراوح تيارات فاشية في إسرائيل أيضا بين جعل الأمة اليهودية في المركز وتصور أن الدولة أعلى تعبير مؤسسي عنها كما نجد عند مقدمي قانون الولاء، وبين تحدي الدولة من قبل رُعاة هوية "دولة يهودا" في "المناطق". إنهم مستعدون لمصادمة الدولة ويحتقرون جيشها، لكنهم يُنمّون ثقافة قوة ويقدمونها على النحو الثوري الذي ميز الفاشية التقليدية.
عن "يديعوت"
تاريخ نشر المقال 16 تشرين الأول 2010