مشروعية فك شفرات القنوات الفضائية تثير خلافا بين علماء الأزهر
اختلف علماء أزهريون حول مدى مشروعية قيام بعض الناس بفك شفرات القنوات الفضائية التي تستحوذ على حق بث وإذاعة مباريات معينة من كرة القدم، فذهب فريق إلى أنه لا يجوز شرعا لأي فرد القيام بفك شفرات هذه القنوات، باعتبار أن ذلك يعد نوعا من أنواع السرقة واعتداء على مال الغير من دون وجه حق واستفادة من منفعة، إن لم تكن ملموسة فهي تمثل قيمة يمكن تقويمها بمال، بينما يرى الفريق الآخر أن قيام بعض الناس بفك شفرات القنوات الفضائية التي تستحوذ على حق بث وإذاعة مباريات معينة من كرة القدم جائز شرعا؛ استنادا إلى أن هذه القنوات تمارس الاحتكار الذي حرمه الإسلام بكافة أشكاله وصوره.
الدكتور عبد الفتاح إدريس، رئيس قسم الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر بالقاهرة قال، إن فك شفرة القنوات التي تستحوذ على حق إذاعة مباريات كرة القدم حرام، وذلك لأن إذاعة هذه المباريات وبثها عبر قناة فضائية له قيمة مالية باعتباره حقا معنويا لمن يقوم ببثها عبر فضائية معينة، وتابع موضحا أنه من المعلوم أن هذه المنفعة لها أجرة يقرها الشرع الإسلامي، وبالتالي فإن من يحاول فك هذه الشفرة آثم باعتبار أن ذلك من قبيل سرقة لمنفعة لها قيمة مالية.
وأضاف أنه لهذا السبب فإن من أفتى بفك هذه الشفرة قد أخطأ في الفتوى، وأخطأ في التدليل لها، وذلك لأن هذا ليس من الاحتكار الذي نهى عنه الشارع الحكيم، لأن الاحتكار المحرم هو احتكار ما تشتد حاجة الناس إليه، وليس مشاهدة مباريات كرة القدم مما تشتد إليه حاجة الناس، بحيث يلحقهم الحرج والضيق والعنت إذا لم يشاهدوا أحداث هذه المباريات.
وتابع الدكتور إدريس قائلا، وبالتالي فلا يُسمى هذا احتكارا، وبناء الحكم عليه خاطئ، لأن الأساس الذي بُني عليه هذا الحكم غير صحيح، ولهذا فإن المسألة ليست خلافية بين القائلين بالحل أو الحرمة، بل المسألة ليس فيها إلا حكم واحد هو القول بحرمة فك الشفرة، ومن قال بحلها لا فقه عنده.
واتفق الدكتور أسامة عبد السميع، أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر بالقاهرة، مع الرأي السابق، حيث أكد أن فك شفرات القنوات التي تستحوذ على حق إذاعة وبث مباريات معينة لكرة القدم حرام، لأن قيام شخص ما بفك شفرة لقناة ما تستحوذ على حق بث وإذاعة مباريات معينة لكرة القدم، يعد بمثابة اعتداء على مال الغير بالسرقة.
وأضاف الدكتور عبد السميع أن نصوص الشريعة الإسلامية جاءت بأحكام عامة تقول بأن من يعتدي على الغير سواء في ماله أو في عرضه أو في نفسه.. كل هذا يعد حراما، وعليه فإن فك شفرات القنوات التي تستحوذ على بث وإذاعة مباريات معينة من كرة القدم يعد اعتداء على المال، تطبيقا لنهي القرآن الكريم عن أكل الأموال بالباطل، فضلا عن ذلك، فإن هذه القناة المشفرة ملك لصاحبها، فلا يجوز للغير أن ينتفع بها إلا بإذن صاحبها، سواء كان ذلك عن الطريق الشراء (الاشتراك) أو الهبة.
وقال الدكتور أسامة، أما ما أثير عن مسألة الاحتكار الذي تمثَّل في استحواذ بعض الفضائيات على بث وإذاعة مباريات معينة من كرة القدم، فاستحواذ بعض القنوات على حق بث وإذاعة بعض المباريات لمشاهدتها عن طريق الدخول بشفرة معينة إلى البث الفضائي، لا يعد احتكارا لمجال من باب الضروريات.
وتابع قائلا، فإذا ما أردنا إدخال مشاهدة مباريات معينة من كرة القدم تحت أي بند من الضروريات مثل الطعام أو الدواء أو الدفاع عن النفس (السلاح)، وجدنا أنها تخرج عن كل هذه البنود، حتى ولو كان هناك قطاع عريض من الشعب يقوم بمشاهدة هذا النوع من المباريات.
ومن جانبه قال الشيخ محمد محمود حمودة، الداعية الإسلامي المعروف والمفتش العام لشؤون القرآن الكريم في الأزهر، إنه لا يجوز فك شفرات القنوات الفضائية التي تستحوذ على بث وإذاعة نوع معين من مباريات كرة القدم، وإن كل من يقدم على هذا الفعل من دون علم صاحب القناة أو من له حق الانتفاع يعد سارقا، كالذي ينتفع بسرقة تيار كهربائي، لأن هذه الأشياء وإن لم تكن ملموسة فهي تمثل قيمة (يمكن تقويمها بمال)، وبالتالي فإن فك شفرات القنوات الفضائية التي تبث وتذيع أنواعا معينة من مباريات كرة القدم، يعد حراما لأنه من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، لتضمنه تفويت فرصة الحصول على عوض مادي لمنفعة لصاحب القناة، أو من له حق الانتفاع من وراء إذاعة وبث هذه المباريات.
بينما يرى الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح، الأستاذ في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أنه يجوز فك شفرات بعض القنوات التي تحتكر بث وإذاعة أنواع معينة من المباريات الرياضية لما في ذلك الأمر من استغلال وحرمان قطاع كبير من الناس من مشاهدة هذه المباريات، لأنه من المفروض أن تنتهي هذه القنوات من ممارسة سياسة الاحتكار التي تهدف إلى جني الأرباح.
واختتم الدكتور السايح حديثه قائلا، إن أي فرد من أفراد المجتمع بإمكانه أن يصل إلى سر الشفرة التي عن طريقها يمكن أن يدخل إلى البث الفضائي للقناة التي يريد مشاهدتها.. فهذا الأمر جائز له شرعا ولا شيء فيه، ولا يعتبر هذا نوعا من السرقة كما يقول بعض العلماء الذين ألقوا بالتبعة على الناس ولم يلقوا بالتبعة على هذه القنوات التي تمارس احتكارا حرمته الشريعة الإسلامية في أي شكل كان وبأي صورة وُجدت.
المصدر: الشرق الأوسط