المنتدى التربوي الشامل - علوم بلا حدود
المنتدى التربوي الشامل - علوم بلا حدود
المنتدى التربوي الشامل - علوم بلا حدود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى التربوي الشامل - علوم بلا حدود

منتدى كل العرب والمسلمين لبناء جيل متسلح بالعلم والمعرفة.
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الاسس والقواعد الرئيسية التي يقوم عليها الإسلام

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
abdallah




عدد المساهمات : 30
تاريخ التسجيل : 24/10/2010

الاسس والقواعد الرئيسية التي يقوم عليها الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: الاسس والقواعد الرئيسية التي يقوم عليها الإسلام   الاسس والقواعد الرئيسية التي يقوم عليها الإسلام Icon_minitimeالأحد 24 أكتوبر 2010, 19:37



1 ـ العبودية والتّشريع لله وحده :

( . . . أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالاَمْرُ تَبارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ) .(الاعراف/54)
( . . . إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لله أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) .(يوسف/40)
فمن هذه القاعدة الاعتقادية الواسعة ينبثق كل تشريع وقانون ومفهوم في الاسلام .
فهذه القاعدة هي المبدأ والمنطلق الايماني المعبر عن وحدانيّة الله سبحانه . . . وعن عبودية الانسان له ، وارتباطه به .
فلله الخلق والحكم والامر والارادة والمشيئة النافذة . . . وليس للانسان أن يعتقد أو يشرّع أو يقنّن أو يتصرّف في هذه الحياة خلافاً لارادة الله وحكمته . . .
ومن هذا الخضوع والالتزام العقائدي نشأ في الاسلام رفض الاستبداد البشري ، وفكرة التفويض الالـهي للبشر . . . فالكلّ خاضعٌ لعدل الله ومرتبط بارادته . . .
والصحة في الموقف والسلوك الانساني ، متوقّفة على مدى التَّطابق مع ارادة الله سبحانه . . . المتمثّلة في الشّريعة الالـهية الّتي بشّر بها رسول الرّحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وليس لاحد من النّاس أن يشرّع أو يتصرّف حسب مصالحه الخاصّة ، أو رغباته وأهوائه فيتّخذ من نفسه مُشرّعاً(2) أو مُقنّناً . . . حتّى الانبياء والرّسل ، الّذين هم خيرة البشر ، وقدوة الانسانية . لم يؤذن لهم بمثل هذا الحق . . . وليس بمقدورهم كبشر أن يمارسوه . لذلك خاطب القرآن نبيّه العظيم بقوله Sadوَإِذا تُتْلى عَلَيْهم آياتُنا بَيِّنات ، قالَ الَّذين لاَ يَرْجون لِقَاءَناَ اْئتِ بِقُرآن غَير هَذا أَوْ بَدَّلْهُ ، قُل مَا يَكونُ لِي أَن أُبَدِّلَه مِن تِلقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبعُ إلاّ مَا يُوحى إليّ اِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوم عَظِيم) .(يونس/15)
وهكذا يسلك هذا المبدأ : الايمان بالله ، وعبودية الانسان له ، وتسليم الامر والتشريع والحكم لله وحده ، أساساً ومنطلقاً لكل أبنية الفكر والحضارة والسلوك البشري في الحياة .

2 ـ التنسيق بين التكوين والتشريع :

أما المبدأ الثّاني الّذي يعتمده الاسلام في التّشريع والتقنين فهو مبدأ الرّبط بين التكوين والتشريع ، والتنسيق بينهما . . . فقد راعى الاسلام الجانب التكويني في الانسان . . . وجعل القوانين والتكاليف والالتزامات والمسؤوليّات كلّها قائمة على هذا الاساس . . . مراعياً في هذا التّنسيق أنّ الانسان وحدة موضوعية متكاملة لا تتجزّأ من الجسد المادي والقوى الروحيّة والنفسيّة . . . لذا اعترف لكل جانب منه بحاجته ومطالبه . . . ووضع التّشريع اللاّزم لتنظيمه واشباع حاجاته .
فالاسلام يؤمن أن الانسان بتكوينه الجسدي جزء من عالم الطبيعة . . . له مطالبه الماديّة والغرائزيّة والفطريّة . . . من الطعام والشّراب والسكن واللّباس والعلاج والزواج . . . الخ .
وكما تعامل الاسلام مع هذا الجانب المادي من الانسان باهتمام ورعاية قانونيّة وتربويّة دقيقة . . . إهتم كذلك بالجانب الرّوحي والنّفسي عند الانسان ، فاعتنى بتنميته وتوجيهه واشباعه بشكل يحفظ التوازن ووحدة الاتجاه في الّنّحو والحركة الانسانية .
(وَابْتَغِ فِيَما آتَاكَ الله الدّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحسَنَ الله إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الفَسَادَ فِي الاَرْضِ إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) .(القصص/77)
ليحقق للانسان الرّفاه المادي،والسّعادة النفسيّة في الحياة ، إلى جانب ضمان الآخرة ، وسعادة الابد في عالم الخلود . . . من غير أن يفصل بين هذه الجوانب فصلاً يورث الانفصام ، أو ينتج عنه التناقض بين عناصر الكيان الانساني وجوانب شخصيته العقلية والسلوكية .

3 ـ الايمان بوحدة النوع الانساني :

تنطلق الرّسالة الاسلامية في تعاملها مع كافة أفراد النوع الانساني من نظرة واقعيّة تكوينيّة ، تقوم على أساس الايمان بوحدة النوع الانساني . . . وبأنّ الناس جميعاً ينتمون إلى أصل بشري واحد . . . ويشتركون في حقيقة واحدة . . . وهي الانسانيّة ، وهم جميعاً متساوون في تكوينهم وطبيعتهم ، كبشر يعيشون في هذه الحياة ، ويشتركون في المشاعر والميول ، والقابليّات والاحتياجات الاساسيّة الفطريّة . . .
وانطلاقاً من هذه المسلمات الفكريّة رفض الاسلام الفوارق والحدود التي وضعها الانسان ، واستوحاها من مفاهيم الجاهلية التي تعكس روح الانانيّة والجهل والاستعلاء البشري . . .
ولذلك أيضاً أعلن القرآن الحرب على هذه المُخلّفات والمفاهيم الجاهليّة . . . ورفع شعار وحدة النوع الانساني والمناداة بها ، فقال :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلناكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ إنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ) .(الحجرات/13)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْس وَاحِدَة وَخَلقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ، وَاتَّقُواْ الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالاَرْحَامَ إنَّ الله كَانَ عَليْكُمْ رَقِيباً) .(النساء/1)
ولقد أكّد نبيّ الانسانية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المبادئ السامية ونادى بها يوم القى خطابه التاريخي الخالد بعد حجّة الوداع ، فقال : ((أيّها الناس ان ربّكم واحد ، وانّ أباكم واحد . . . كلّكم لآدم ، وآدم من تراب «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقاكُمْ» وليس لعربيّ على أعجمي فضلٌ إلا بالتّقوى))(3) .
وعلى أساس هذه المبادئ السامية حدّد الاسلام مقاييسه الواقعية في التفضيل والتقويم فثبت مقياس التفاضل والتقويم الانساني على أسس من الدقّة والحساب العلمي السليم الذي يقود البشريّة نحو الرّقي والتّكامل ، ويفجر فيها دوافع الخير والابداع ، فحصر أسباب التفضيل عند الله في :
أ ـ الايمان والتّقوى
ثبت الاسلام هذه القاعدة كأساس للمفاضلة والتقويم ، لانها منبع لعطاء الخير ، وسبب لتكامل شخصية الانسان ، ومنطلق لتصحيح مساره في الحياة .
( . . . إنَّ أكرَمَكُمْ عندَ الله أتْقاكُمْ . . .).(الحجرات/13)
((وليس لعربيٍّ على أعجميٍّ فضلٌ إلاّ بالتقوى)).
ب ـ العلم :
أما المقياس الثاني من مقاييس المفاضلة في الاسلام ، فهو مقياس العلم .
قال تعالى : ( . . . يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَات . .) .(المجادلة/11)
( . . . قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الاَلْبَابِ) .(الزمر/9)
جـ ـ الجهاد والتّضحية في سبيل الله والدفاع عن الحق والخير الذي بشر به النبيّون . . .
قال تعالى(فضل الله المُجاهدين بأموالهم وأنفسُهم على القاعدين درجةّ وكُلاّ وعد الله الحُسنى، وفضّل الله المُجاهدين على القاعدين أجراً عضيماً).(النساء/95)
وهكذا ثبت الاسلام معاييره ومقاييسه العقائدية للتقويم والمفاضلة لئلاّ يكون المُحسن والمُسيء بمنزلة سواء ، وليبعث في كل إنسان دوافع الخير ومحفزات العطاء الانساني النبيل .
فمبادئ الاسلام هذه ، مبادئ إنسانية مقدورة للجميع ، . . . وبإمكان كل فرد أن يتسامى نحوها، وهي في الوقت ذاته ، تستطيع أن تكون مقياساً حقيقياً يعبر عن ذات الانسان ، ويقوّم جهده وإنسانيّته؛ بعكس المقاييس الوضعيّة الجاهلية . . . كمقاييس الجنس والطبقة ، والمال ، أو الحزب ، والقوّة ، والقرابة . . . الخ . فهي لا تعبّر بأيّ حال من الاحوال عن روح الانسانيّة الخيّرة الكامنة في ذات الفرد ، ولا تساعده على التحفّز والحركة نحو فعل الخير والعطاء الانساني المتصاعد ، بل على العكس من ذلك . . . فانها تقتل في الفرد روح الخير والابداع ، وتقمع روح الاحساس في الانسان بإنسانيّته ، وبقيمته الاجتماعيّة ، وبقدرته على التفوّق والنّمو الاجتماعي . . . لانها مقاييس تخضع في تقويمها لقضايا قسريّة ، ليس لارادة الانسان ، ولا لانسانيّته ، أو امكاناته وقابليّاته الذّاتية دخل فيها . . . وبذا تعمل على سد أبواب التفوّق الاجتماعي ، وتقتل روح الاحساس بالمساواة ، وتثير روح الحقد والنّزاع في صفوف المجتمع .

4 ـ الانسان أكرم موجود على هذه الارض :

ينطلق الاسلام في تقييمه وتعامله مع الانسان ، من مبدأ أساسي ، وقاعدة رئيسة ، وهي الايمان بأن الانسان أرقى موجود ، وأكرم مخلوق ، وأغلى حقيقة على هذه الارض . . . وأن كل ما في هذه الارض من موجودات هو مسخّر لخدمته ، وموجود لصالحه؛ قال تعالى :
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم ما فِي الاَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات وَهُوَ بِكُلِّ شَيء عَلِيمٌ) .(البقرة/29)
(وَسَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرْضِ جَمِيعاً منْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ) .(الجاثية/13)
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَملْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم منَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) .(الاسراء/70)
. . . فالمال والثروة والارض والشّمس والقمر والنجوم والحيوانات والخيرات والطيّبات ، وكلّ شيء في هذه الحياة هو لخدمة هذا الانسان ولصالحه . . . وأن انسانيته المتمثّلة في ذاته الانسانية ، والتي تميزه عن بقيّة المخلوقات والكائنات . . . هي أرقى حقيقة على هذه الارض . . . نظراً لما تحمل من عقل وإرادة وعلم وحياة . . . الخ .
والانسان بعد أن أعطي هذه الامتيازات والمؤهّلات ، أصبح في نظر الاسلام مسؤولاً عن رعاية هذه الخصائص الانسانيّة المتعالية ، ومكلّفاً بانشاء عالم فكري وسلوكي على هذه الارض ، يوازي بخيره وعطائه امتداد عطاء الخير الذي يملأ هذا الوجود من حول الانسان ، ليكون كلمة مضيئة في كتاب الكون الكبير . . . ومعنى متناغماً مع روح هذا العالم الجميل . . . وبهذا فقط يكون الانسان هو الامين على ما استحفظ من أمانة ، والجدير بما اُعطي من تقدير وتكريم : (إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالاَرضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) .(الاحزاب/72)
وإذا ما وعى الانسان قيمته ومكانته على هذه الارض وعرف مسؤوليته الوجودية الكبرى . . . فعليه أن يسخر نشاطه وامكانياته ، من أجل تحقيق هذه الانسانية ، والسير في طريق تكاملها وفق منهج الحياة الذي خطّته عناية الالـه وحكمته بدقّة واتقان كي لا يخسر إنسانيّته ، ويفقد قيمته وكرامته فيتحوّل إلى موضوع مادي مهمل في حساب الجاهليّات وتقويمها . . . ، هذه الحسابات الماديّة الّتي حوّلت الانسان إلى أداة للانتاج ، ووسيلة للتنفيذ ، وتعاملت معه كجهاز آلي بعيد عن القيم والمعنويّات والاحاسيس الانسانيّة ، . . . ولكي لا يغفل الانسان هذه الحقيقة . . . ولكي لا يجهل قيمته وقدره . . . راح القرآن يبثّ فيه روح الانسانيّة ، ويزرع في أعماقه معاني الاصالة ، ويحدّد له مكانه الطبيعي بين عالم الاشياء والموضوعات ، ويعيد توازن العلاقة في نفسه بين الغاية والوسيلة . . . ليذكّره أن كلّ شيء في هذه الحياة هو وسيلة لخدمته ، وسبب لتوفير خيره وسعادته . . . لكي لا تخدعه المغريات الماديّة ، ولا تستعبده الطّواغيت الجاهلية .
فقال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَملْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) .(الاسراء/70)
فعلى هذا الاساس بنى الاسلام نظرته للانسان وما حوله . . . من أشياء ووسائل نافعة وممتعة في عالم الطبيعة . . . وصاغ كل قوانينه وقيمه من أجل أن يجسد هذه الحقيقة ، ويفيضها على عالم الانسان الزّاخر بالحركة والحياة .

5 ـ الموازنة والاعتدال :

تختلف نظرة الاسلام وفهمه للنّشاطات والمواقف الانسانية ، وتعامله مع الاشياء والموضوعات الماديّة ، عن فهم وتقويم وتعامل النظريّات والمذاهب الاجتماعيّة المختلفة ، كالشيوعية والرأسمالية والاشتراكيّة . . . الخ ، كما تفترق نظرته عن باقي الفلسفات ، ونظريّات الاخلاق ، وعلم النفس ، والاجتماع المتمثّلة في الاتجاهات والمدارس المتعدّدة والمفاهيم الحضارية ، والنّظريّات التّفسيريّة الّتي دفعت بالفرد والمجتمع إلى حالة من الاضطراب واختلال التوازن النّفسي والسّلوكي ، بسبب ما قدّمته من تفسير لمفهوم اللّذة والالم . . . وتقويم السلوك والحرّية ، فانعكس هذا التّفسير على أوضاع الانسان السياسيّة والاقتصاديّة والسّلوكية ، الفرديّة والاجتماعية . . . وصار الافراط والتفّريط ، والاسراف والعبث ، ظاهرة حضاريّة مُدمّرة ، تعبث بصحّة الانسان الجسديّة والنّفسيّة ، وتعصف بالثّروة ونظام المجتمع واستقرار الحياة . . . فلا شيء يخضع في سلوك هذا الانسان المادي إلى مقياس ، أو يوضع في ميزان قيمي أو سلوكي . . . بعد أن جعل الّلذة غاية ، والحرّية غير الملتزمة أساساً ومنطلقاً للسّلوك البشري . . . للتعبير عن محتوى الذّات ، والبحث عن الّلذة بشتّى صورها ووسائل تحصيلها . . . فضاعت مع هذا الفهم والتفّسير كلّ القيم والمقاييس المنظّمة للسّلوك الانساني . . . واضطربت معادلات الحياة . . . وسادت المجتمع حالة من الفوضى والاضطراب ، بشكل جعل من سلوك الانسان ونزعاته كماً مهملاً... لا يخضع إلى قياس . . . ولا يقف في كفّة ميزان ، فانتجت هذه الحضارة الماديّة إنساناً عابثاً مختلّ التّوازن ، ذا شخصيّة شهوانيّة هلعة . . . وبشكل يسمح للدارس والمؤرخ أن يسمي الحضارة الماديّة المعاصرة : (حضارة العبث والضياع) . . .
فالانسان في هذه الحضارة يمارس شتى أنماط النشاط والحياة بعيداً عن قواعد الاعتدال والاستقامة . . . سواء في ممارسته للنشاط الغريزي والسلوك الاجتماعي . . . كتناول الطعام والشراب ، وممارسة الجنس والمتع والّلذات وجمع الثروة والمال واستعمال السلطة . . . الخ ، أو في التّعبير عن انفعالاته وأحاسيسه . . . كالحب والغضب ، والرضى والسّخط والكراهيّة . . . فهو في كل هذه الممارسات تحوّل إلى إنسان عابث ، مختل التوازن ، بعد أن ماتت في أعماقه ملكة الاستقامة النفسيّة ، وغابت عن دنياه ضوابط الاخلاق والقيم الروحية .
أما الاسلام . . . فلكي ينقذ الانسان من مثل هذا التيّار المادي الهلع . . . راح يخضع السلوك والنوازع والاتّجاهات النفسيّة والعلاقات الاجتماعيّة لقاعدة الضبط والتنظيم الكوني العام . . .
فالاسلام يدخل كل سلوك الانسان وعلاقاته في معادلات حسابيّة موزونة . . . تعتمد على بناء نفسي وأخلاقي محكم ، كما تعتمد على الضّبط القانوني ، والتّوجيه الاجتماعي ، المتمثّل في العرف والرأي العام الاسلامي .
وقد جاءت الآيات القرآنية والمفاهيم والنصوص الاسلامية العديدة تؤكّد على هذا المبدأ ، وتصوغ منه قانوناً وقاعدة للحياة : (قاعدة الضبط والموازنة والاعتدال) .
ولعل أدق ما ورد في هذا الموضوع ، هو الخطاب الالـهي الموجه لقدوة البشريّة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، والذي نصّه : (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) .(هود/112)
وفي موارد قرآنية أخرى ، نجد وصفاً دقيقاً ، وتحديداً واضحاً لهذا المبدأ الاساسي ، في أحكام الشريعة وقيمها ، . . . نذكر منها على سبيل المثال قوله تعالى ، وهو يتحدّث عن سلوك الشخصيّة الاسلاميّة وكيفية تعاملها مع المال والثروة والاشياء ـ انفاقاً واستهلاكاً ـ نذكر قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) .(الفرقان/67)
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً محْسُوراً) .
(الاسراء/29)
(يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) .(الاعراف/31)
ولم يتوقف توجيه القرآن نحو الاعتدال والتخلص من الاسراف والعبث عند حد التّعامل مع الاشياء الماديّة بل وشمل توجيهه الحالات النفسيّة والانفعاليّة عند الانسان . . . لتنظيم الانفعال ، وضبط موازنة التحرّك النفسي ، كقوله تعالى :
(وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فعاقبوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ للِصَّابِريِنَ) .(النحل/126)
(ِلكَيْلاَ تَأسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا آتَاكُمْ وَالله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال َخُور).(الحديد/23)
(وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَليِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً) .(الاسراء/33)
وهكذا ، والامثلة كثيرة على الدعوة إلى الاعتدال والتوازن تشاهد في الكتاب والسنّة وفي الدراسات الاخلاقية والسّلوكية والتشريعيّة التي أقامها المسلمون حول قواعد الاسلام وأصوله .
ولقد تجلّت ظاهرة الاعتدال والتوازن في كل تشريع ومفهوم في الاسلام . . . تجلّت في الموازنة بين شؤون الحياة الدنيا والآخرة ، كما جاء في قوله تعالى : (وَابْتَغِ فِيَما آتَاكَ اللهُ الدّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَك مِنَ الدُّنْيَا وأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ . . .) .(القصص/77)
وتجلت في الموازنة بين النزعة الفرديّة والاجتماعية لتحقيق التوازن بين مصالح الفرد والجماعة للقضاء على الانانيّة الفرديّة من جهة ولحماية حرية الفرد وارادته الفردية من جهة أخرى ، وتجلّت في الموازنة بين الحقوق والواجبات للفرد والدولة والمجتمع ، . . . وفي الموازنة بين اتّجاه الجنسين : الرجل والمرأة . . . الخ .
ولا يخفى على أحد ما لقاعدة الاعتدال والتّوازن من أثر على اقرار نظام الحياة وتوجيه امكانيّة الانسان والطبيعة لصالح الانسانية وخيرها .

6 ـ اعتبار الحياة الدنيا مرحلة في وجود الانسان :

ان من أهم المبادئ الاساسيّة المؤثّرة في منهج الحياة الاسلامية هو الايمان بعالم الآخرة ، وبالامتداد الابدي لحياة الانسان بعد الموت ، واستبعاد فكرة الفناء والنهاية الابديّة بالنسبة للانسان . . . ففكرة قطع الحياة الانسانية ، وانهائها بعالم التراب ، وحصرها بإطار الزمن المعاش في هذه الحياة ، هي فكرة جاهلية مادية ، تكفر بالبعث والقيامة ، وبالحساب والمسؤولية والجزاء ، وبالامتداد الخالد للحياة بعد الموت . . . تلك الفكرة التي ما برح الانسان الجاهلي والتفكير المادي يردّدها على مر العصور ، ويكرّرها قائلاً : (إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) .(المؤمنون/37)
فالانسان الجاهلي بمفاهيمه المادية لا يدخل في حسابه عالم الآخرة ، ولا يتصرف في الحياة تصرف من يؤمن بحساب ومسؤولية وخلود ، بل يحصر كل همه في هذه الحياة . . . ولا يعمل إلا من أجلها . . . فهو كالسمكة لا تحسّ بالحياة إلا تحت غطاء الماء يغمر ظهرها ، ويحدد أبعاد الحركة والسبح لها . . .
لذلك فالانسان تحت وطأة هذا التّفكير المادي لا يتوانى عن اقتراف ما يوفر له الّلذة ، أو يجلب له المتعة . . . ولو أدّى ذلك إلى الاضرار بالآخرين ، وهدم نظام الحياة ، وانهاء السعادة الانسانية . . . فإنسان هذه العقيدة غير مستعد لان يعمل الخير من أجل الخير . . . بل يعمل دوماً من أجل أن يحقق ربحاً شخصياً أنانياً في هذه الحياة . . .
وهو مع هذا التفكير لا يمكن أن يرتدع عن الاخلال بنظام الحياة ، أو يبتعد عن أن يمارس شتّى صنوف المخالفات . . . بعد أن كفر بمسؤوليته أمام خالقه وأنكر الجزاء في عالم ما بعد الحياة . . . بعكس الانسان المسلم تماماً فهو يبني كل سلوكه وعلاقته ونشاطاته ومفهومه عن الحياة على أساس من أن الحياة الدنيا مرحلة قصيرة في وجود الانسان . . . ومقدمة لعالم أبدي خالد . . . تتضاءل أمامه الحياة ، وتتصاغر إلى جانبه مغرياتها . . . إلى درجة تبدو معها تافهة رخيصة . . . لا تستأثر باهتمام هذا الانسان ، ولا تستحق استهلاك وجوده . . . لذا فهو يعمل من مبدأ الشعور بالمسؤولية ، والايمان بالجزاء الاخروي ، وعلى أساس من الاستهانة بكل ما في هذه الحياة ، وعدم التعلق بها ، أو التكالب عليها . . . وانه لمن الطبيعي جدّاً أن يعيش هذا الانسان في حالة من يقظة الضمير ومراقبة الذات ، وحبّ الخير من أجل الخير ، وينتزع نفسه من الصراع والتّهالك على مكاسب الحياة الزائفة ، ليحصر همه وجهده في عالم أسمى ، وربح أرقى ، وهو الخلود الابدي . . .
فهو يشعر دوماً : أنّه يعيش في هذه الحياة لا لشيء إلا ليصنع وجوده ، وكيفيّة حياته ، وصورة ذاته ، في عالم السعادة والابد . . .
ولم يؤكد الدين فكرة ـ بعد الايمان بالله ـ أكثر من تأكيده هذا المبدأ . . .
فالقرآن الحكيم ، والسّنة النبوّية ، نراهما في كل مناسبة يتحدّثان للانسان عن عالم الآخرة ، ويعمقان وعيه واحساسه بحقيقة الحياة وبقيمة الآخرة؛ فالقرآن يحدث الانسان ويخاطبه :
(فما أوتيتُم مِن شَيء فَمتاعُ الحياة الدُّنيا ، وما عِندَ الله خيرٌ وأبقى للذين آمنوا وعلى رَبهمْ يتوكَّلون) .(الشورى/36)
(الَّذينَ آمنوُا وَهاجَروا وجاهَدوا في سبيلِ الله بأموالِهم وأنفُسهم أَعظَمُ دَرَجَةً عِند الله وأولئك هُم الفائِزون . يُبشّرهُم رَبّهُم برَحمة منهُِ ورضوان وجنّات لهمْ فيها نَعيمٌ مُقيمٌ) .(التوبة/20ـ21)
(والَّذينَ آمنوا وعَمِلوا الصَّالحاتِ أولئِكَ أصحابُ الجنّةِ هم فيها خالِدون) .(البقرة/82)
(قُل بِفَضْلِ الله وبرحمَتِه ، فبذلِك فليفرحُوا هو خيرٌ ممّا يَجمَعُون) .(يونس/58)
(يَا أَيُّها النَّاسُ إنَّ وَعدَ الله حق فلا تَغرَّنكُم الحياة الدنيا ولا يغرَّنكُم بالله الغَرورُ) .(فاطر/5)
هذه هي أهم المبادئ الاساسية التي اعتمدها الاسلام في بناء الفكر والسلوك ونظام الحياة وحرص في كل موقع من مواقع الحياة أن لا تكون هذه المبادئ والمعتقدات في الاسلام مجرد أفكار نظرية يؤمن بها الانسان المسلم ، أو وصايا وارشادات تعيش وتموت في اطار الفكر والنظرية . . . بل عمل على تحويلها إلى أسُس علميّة تقام عليها كل جوانب الحياة والنشاط والسلوك .
المصدر: كتاب( المعالم الاساسية للرسالة الاسلامية )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مصطفى دعمس

مصطفى دعمس


عدد المساهمات : 221
تاريخ التسجيل : 17/09/2010
الموقع : http://ar.netlog.com/mustafademes/blog/blogid=1838524#blog

الاسس والقواعد الرئيسية التي يقوم عليها الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاسس والقواعد الرئيسية التي يقوم عليها الإسلام   الاسس والقواعد الرئيسية التي يقوم عليها الإسلام Icon_minitimeالخميس 04 نوفمبر 2010, 22:44

تحية تقدير واحترام لإضافة المنتدى بالموضوع الرائع
الاسس والقواعد الرئيسية التي يقوم عليها الإسلام 5CR77729
الاسس والقواعد الرئيسية التي يقوم عليها الإسلام Ce63fd3cd9
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الاسس والقواعد الرئيسية التي يقوم عليها الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مكانة المرأة في الإسلام
»  الإسلام والغرب
» إن الدين عند الله الإسلام
» أطفالنا وحب الإسلام
» من خصائص دين الإسلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى التربوي الشامل - علوم بلا حدود :: الفئة الأولى :: منتدى العلوم الإسلامية :: القســـــم الإسلامي-
انتقل الى: