عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق، ولا بالآدم، ولا بالجعد القطط ولا بالسبط، بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين،وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء)) رواه البخاري ومسلم.
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن)) المراد أنه لم يكن بعيدًا من التوسط.
((ولا بالقصير)): أي المتردد الداخل بعضه في بعض، والمعنى أنه كان متوسطًا بين الطول والقصر لا زائد الطول ولا القصر وفي نفي أصل القصر ونفي الطول البائن لا أصل الطول, إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان مربوعًا مائلاً إلى الطول، وأنه كان إلى الطول أقرب، كما رواه البيهقي، ولا ينافيه وصفه الآتي بأنه ربعة لأنها أمر نسبي، ويوافقه خبر البراء: كان ربعة وهو إلى الطول أقرب.
((ولا بالأبيض الأمهق)): أي الشديد البياض الخالي عن الحمرة والنور كالجص وهو كريه المنظر، وربما توهمه الناظر أبرص بل كان بياضه نيرًا مشربًا بحمرة كما في روايات أخر.
((ولا بالآدم)) الأدمة شدة السمرة وهي منزلة بين البياض والسواد، قال العسقلاني: تبين من مجموع الروايات أن المراد بالبياض المنفي ما لا يخالطه الحمرة, والمراد بالسمرة الحمرة التي يخالطها البياض.
((ولا بالجعد)): بفتح الجيم وسكون العين من الجعودة وهي في الشعر أن لا يتكسر تكسرًا تامًا ولا يسترسل.
((القطط)): بفتحتين وبكسر الثاني وهو شدة الجعودة.
((ولا بالسبط)): بفتح المهملة، وكسر الموحدة وتسكن وتفتح, والسبوطة في الشعر ضد الجعودة وهو الامتداد الذي ليس فيه تعقد ولا نتوء أصلاً, والمراد أن شعره صلى الله عليه وسلم متوسطًا بين الجعودة والسبوطة.
((بعثه الله تعالى)) أي أرسله الحق إلى الخلق للنبوة والرسالة وتبليغ الأحكام والحكم للامة، قيل ولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين وأنزل عليه الوحي يوم الإثنين, وخرج من مكة مهاجرًا يوم الإثنين, و قدم المدينة يوم الإثنين، وتوفي يوم الإثنين.
((على رأس أربعين سنة)): في ررواية البخاري: أنزل عليه -أي الوحي- وهو ابن أربعين سنة.
قال شراح الحديث: المراد بالرأس الطرف الأخير منه لما عليه الجمهور من أهل السير والتواريخ, من أنه بعث بعد استكمال أربعين سنة، قال الطيبي: الرأس هنا مجاز عن آخر السنة، كقولهم رأس الآية أي آخرها، وتسمية آخر السنة رأسها باعتبار أنه مبدأ مثله من عقد آخر انته، وأما لفظ الأربعين فتارة يراد به مجموع السنين من أول الولادة إلى ساتكمال أربعين سنة، وتارة يراد به السنة التي تنضم إلى تسعة وثلاثين والاستعمالان شائعان، فالأول كما يقال: عمْرُ فلان أربعون، والثاني: كقولهم: الحديث الأربعون، وإيراد التمييز، وهو قوله: سنة يؤيد المعنى الأول، قال الحافظ العسقلاني: المشهور عند الجمهور أنه ولد في شهر ربيع الأول، وبعث في شهر رمضان.لكن قال المسعودي وابن عبد البر: إنه بعث في شهر ربيع الأول.
((فأقام))أي بعد البعثة ((بمكة عشر سنين)) بسكون الشين أي رسولاً وثلاث عشرة سنة نبيًا ورسولاً لأن العلماء متفقون على أنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة ثلاث عشرة سنة، فقوله: أقام بمكة عشر سنين محتاج إلى تأويل وهو ما ذكرناه، ويحتمل أن الراوي اقتصر على العقد وترك الكسر ولا خلاف في قوله: ((وبالمدينة عشر سنين)) لكن يشكل قوله: ((فتوفاه الله تعالى)) أي قبض روحه، ((على رأس ستين سنة)): لأنه يقتضي أن يكون سِنه ستين، والمرجح أنه ثلاث وستون، وقيل: خمس وستون، وجمع بأن من روى الأخير عد سنتي المولد والوفاة، ومن روى ثلاثًا لم يعدهما، ومن روى الستين لم يعد الكسر، واعلم أن ابتداء التاريخ الإسلامي من هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وقد قدم بها يوم الإثنين ضحى لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول.
((وليس في رأسه ولحيته)) بكسر اللام ((عشرون شعرة)) بسكون العين فقط، وقد يفتح، وأما الشعر فبالفتح ويسكن.
((بيضاء)): صفة لشعرة، وأخرج ابن سعد بإسناد صحيح عن ثابت، عن أنس قال: ما كان في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيته إلا سبع عشرة، أو ثمان عشرة شعرة بيضاء، وأما ما جاء من نفي الشيب في رواية، فالمراد به نفي كثرته لا أصله.