ان أهم ما يميز هذه المرحلة عملية التفجر المعرفي وثورة الاتصالات والمعلوماتية، وهذه سمات مترابطة ومتشابكة فعملية التطور في إحداها يؤثر في الأخرى.
أن أبرز عناصر التحديث في خطابنا الثقافي العربي هو دخول الإنترنت، إذ تمثل الإنترنت بالنسبة لنا ـ نحن العرب ـ تحديًا ثقافيًا قاسيًا على الجبهات جميعها، سواء فيما يخص مضمون رسائلها الثقافية، وقيمة تراثنا عالميًا، وفاعلية مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية، أو فيما يخص أساليب حوارنا فيما بيننا ومع غيرنا. ونحن معرضون لظاهرة العولمة، أصبحنا مهددين في ظلها بفجوة لغوية تفصل بين العربية ولغات العالم المتقدم، تنظيرًا وتعليمًا واستخدامًا وتوثيقًا، مثلما نحن مهددون ـ أيضًا ـ بسلب تراثنا من فنون شعبية وأغان ومقامات موسيقية وأزياء وطرز معمارية. وفي المقابل تفتح الإنترنت أمامنا فرصًا عدة لتثبيت دعائم ثقافتنا العربية بصفتها ثقافة إنسانية عالمية أصيلة، وتعويض تخلفنا في كثير من مجالات العمل الثقافي. إن الموقف يتطلب إعادة النظر بصورة شاملة في سياستنا الثقافية تجاوبًا مع ثقافة الإنترنت، وذلك في إطار الاستراتيجية الشاملة للثقافة العربية التي أعدتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ووفقًا لتوصيات مؤتمر اليونسكو باستكهولم.
وحتى نكون على معرفة بأنفسنا فإنه من الضروري أن نعترف بشكوى الثقافة العربية من ضمور شديد في لغة وصف الثقافة META - LANGUAGE OF CULTURE سواء على مستوى المصطلح، أو المفاهيم الأساسية. إننا ندين إلى روادنا الثقافيين بإغناء ذخيرة مصطلحاتنا الثقافية. ويلزم هنا أن نشير إلى أن المصطلح الثقافي بطبيعته يميل إلى التجريد، وإلى تناول مفاهيم تجمع بين الدقة والشمولية في آن؛ وهو الأمر الذي يزيد من صعوبة وضعه، خصوصًا بعد أن تعقدت المفاهيم الثقافية وتفرعت وتداخلت بفعل المتغير المعلوماتي. وقد استسهل الكثيرون في ترجمة المصطلحات الأجنبية الحديثة استخدام المصطلحات المركبة من أكثر من كلمة. والمصطلح المركب كما هو معروف يسد الطريق أمام الاشتقاق منه وتطويعه سياقيًا. أما بالنسبة للغات الإبداع، فما زلنا بعيدين عن تناولها نظرًا لتخلفنا في معظم مجالات الفنون، علاوة على تبعيتها المعمارية والنقدية.
إذًا، نحن نواجه ضرورة ملحة وتحديًا جوهريًا يختبر قدراتنا على تجديد عقلنا العربي، إذ تجاوز ذلك مرحلة كونه مطلبًا ثقافيًا بعد أن أصبح مقومًا تنمويًا لتأهيل المجتمعات العربية لدخول عصر المعلومات.
نعيش الآن في عصر التكنولوجيا والانفجار التقني والمعرفي والثقافي ومن الضروري جدا أن نواكب هذا التطور ونسايره ونتعايش معه ونحاكيه ونترجم للآخرين إبداعنا ونبرز لهم قدرتنا على الابتكار ولعل من أهم المهارات المعاصرة مهارة استخدام وتوظيف الإنترنت لمصلحة الإعلام .والحقيقة أن هناك تطوراً وإبداعاً يشهد له الجميع من يتصفح النت وخاصة الصحف أو الجرائد العربية وبعض القنوات الفضائية . وبينت دراسات أن عدد الزوار لبعض هذه المواقع العربية ( الإخبارية أو الرياضية أو الفنية..) كحد أدنى يصل المليون زائر يومياً.
إن ما نلحظه اليوم من تدفق علمي تكنولوجي هائل، لم يعد بالأمر المربك كما في الماضي، فتعدد التقنيات الحديثة، وانتشار العلوم الفكرية والتطبيقية، وتوافر الكفاءة التدريبية، وسّع نطاق المعرفة بأنواعها وأثار حوافز المتعلمين بجميع فئاتهم، مما سهّل في احتواء المستجدات الحديثة وتقبلها بمرونة بل وتطويرها وفق البيئات والأساليب الاجتماعية الراهنة.
وبانتشار هذه هذه المواقع العربية يمكننا القول باعتزاز أننا أصبحنا على مشارف الخوض ضمن مضمار التطور الإعلامي التكنولوجي العالمي.
ومن فئات مصادر الانترنت التي يمكنها استخدامها في الإعلام(1):
1- البيانات المحفوظة : بيانات تاريخية محفوظة و مفهرسة و منظمة و يجب هنا إكتساب مهارة البحث , و التحليل و التنظيم للبيانات و التفسير .
2- البيانات الآنية : تقاس بمجرد الوصول للموقع مثل ( القنوات الفضائية، الصحف.. )
3- الاتصال : ويشكل البريد الالكتروني أقوى وسائل الاتصال إذ يمثل 90% من الحركة عبر الشبكة .
4- النشر :يستطيع الجميع تبادل معارفهم مع بعضهم بعضاً من خلال نشر موقع الكتروني في خدمة الإعلام .
5- أندية الحوار: ويشترك بها أشخاص لهم اهتمامات مشتركة من خلال طرح موضوع معين .
6- المجموعات البريدية Mail Groups
7- مواقع المحادثة Chat
شبكة المعلومات العالمية World Wide Web
تعتبر شبكة المعلومات العالمية من أهم مكونات الإنترنت وهي توفر المرونة والتكامل في الخدمات المتنوعة من تجارية وعلمية وأخبارية ورياضية. لاحتوائها على الصور والنصوص والرسومات التوضيحية والمتحركة والأصوات، وبالتالي فهي تعتبر من الوسائل الإعلامية المهمة مما يزيد من مبررات استخدامها على نطاق واسع.
وتمتاز الشبكة بالقدرة على تحويل الملفات الخاصة من جهاز أو مصدر معلومات إلى أي جهاز حاسوب موصول بالشبكة في أي مكان بالعالم بناء على بروتوكولات نقل الملفات.
ومن مزايا الانترنت الإيجابيات التالية:(1)
1. المرونة في الوقت والمكان.
2. إمكانية الوصول إلى عدد أكبر من الجمهور والمتابعين في مختلف العالم.
3. عدم النظر إلى ضرورة تطابق أجهزة الحاسوب وأنظمة التشغيل المستخدمة من قبل المشاهدين مع الأجهزة المستخدمة في الإرسال.
4. سرعة تطوير البرامج مقارنة بأنظمة الفيديو والأقراص المدمجة (CD-Rom).
5. سهولة تطوير المحتوى الموجود عبر الإنترنت.
6. قلة التكلفة المادية مقارنة باستخدام الأقمار الصناعية ومحطات التلفزيون والراديو.
7. يساعد على إيجاد متعة وإثارة مليء بالحيوية والنشاط.
8. الخروج من الإطار التقليدي.
9. السرعة وبمعنى آخر فإن الوقت المخصص للبحث عن موضوع معين باستخدام الإنترنت يكون قليلاً مقارنة بالطرق التقليدية.
10. الحصول على آراء العلماء والمفكرين والباحثين المتخصصين في مختلف المجالات في أي قضية.
ولا مجال هنا للمجاملة، فمجمل العدة المعرفية لجمهرة العقول لدينا باتت دون الحد الأدنى اللازم لمجتمع المعرفة والتعلم وحوار الثقافات. وقد عفانا من الخوض في تشخيص العقل العربي وتوصيف وعكاته وعاهاته، عدد لا بأس به من البحوث الرائدة قامت بها باقة من خيرة مفكرينا من أمثال: محمد عابد الجابري، ومحمد أركون، وحسن حنفي، والعفيف الأخضر، وبرهان غليون، والبحوث التي تتناول العقل العربي في إجماليته، إلى دراسات تفصيلية عن عقول الفئات الاجتماعية المختلفة، عقل المدني والبدوي والفلاح والمهني والمدير والموظف والمدرس والطالب.. لقد أصبحت تلك مطلبًا ملحًا مع زيادة الاهتمام بالثقافات الشعبية عند تناول إشكاليات ثقافة المعلومات، والتوجه نحو عدم الفصل بين ثقافة النخبة وثقافة العامة.(1)
إن تكنولوجيا المعلومات تتيح لنا وسائل عدة لرصد عقول تلك الفئات الاجتماعية، حتى لا تقتصر مهمتنا على العقل العربي العام المجرد أو المتصور SPECULATIVE. من جانب آخر، فنحن في حاجة، بجانب دراسة بيئية العقل العربي وتكوينه ومطالب تجديده إلى تحليل نتائج هذا العقل حتى تتضح لنا ملامح الخريطة المعرفية العربية. ومرة أخرى يمكن لتكنولوجيا المعلومات أن تساهم مساهمة فعالة في إجراء هذا المسح الثقافي الشامل.
إذًا يبقى السؤال الآن:
هل يمكن أن يبدع العربي في عصر المعلومات في ظل القيود التي يدركها الجميع، خصوصًا وقد أصبح الفن صنعة الكبار من الشركات المتعددة الجنسية، وقد نجحوا في تحويله إلى فن كثيف التكنولوجيا لا كثيف الإبداع؟ لا نود أن ننزلق إلى ما يردده البعض، من أن إبداعنا محكوم عليه بالفشل سلفًا، في ظل مقولات زائفة من قبيل: نحن لن نبدع مسرحًا جادًا لأن حضارتنا لم تقم على الحوار أصلاً، ولن نبدع تشكيلاً لأن ثقافتنا ترتكز على النص، ولن نبدع شعرًا دراميًا لانصراف شعرنا إلى مديح الحكام والتباهي بالنعرات القبلية وعدم انشغاله بحيرة الإنسان مع ذاته وواقعه. (2)
ونظرا لأهمية الإعلام ودوره في المرحلة الراهنة يجب تعاون العرب في هذا المجال وتحديد أولويات العمل الإعلامي وتحديد منظور عربي مشترك من جميع القضايا منها:(3)
- يجب تفعيل التعاون الإعلامي العربي في مجال استغلال المعلومات العلمية والتكنولوجية المتاحة لوسائل الإعلام وتشجيع سياسة المشاركة في الموارد والمعلومات
- يجب تطوير اللغة الإعلامية المستخدمة بلغة جديدة سهلة سلسة مفهومة تمييز بين المشاهدين وأعمارهم
- يجب توسيع مجالات الإعلام ليخاطب العرب في بلدان الاغتراب برسالة مفهومة تشدهم آلي بلدانهم ويتبنوا قضاياها بدلا من ترك المغتربين لايد عابثة
- أعداد مسوح ميدانية ودراسات علمية وبحوث جادة قبل بناء البرامج والسياسات الإعلامية
- كسر احتكار وسائل الإعلام بكل إشكالها
- إخراج وجود الوكالة العربية للأنباء والهيئة التلفزيونية العربية التي اقترحناها في متن البحث
- إصدار صحف يومية عربية لاتقل عن ثلاث صحف الأولى بالانكليزية والثانية بالفرنسية والثالثة بالاسبانية وتوزيعها في العالم وبلاد الاغتراب
- إعداد دراسات عن صورة العرب في العالم والعمل لمحو الصور السوداء والسيئة(4)
- إنشاء معاهد متخصصة في فنون الكمبيوتر.
- توعية مبدعينا بتطبيقات تكنولوجيا المعلومات في مجالات الفنون المختلفة.
- ربط المدارس والمعاهد بمراكز الفنون.
- إدراج الذوق الفني ضمن مناهج الدراسة في جميع مراحل التعليم.
- إحياء المسرح المدرسي فقد ثبت أن المسرح كان وسيظل من أهم وسائل التربية.
إن دور الدولة الوطنية وتحكمها في الإعلام وكل تبعاته قد تلاشى تماماً في بيئة لا نملك فيها أبسط آليات الصد والدفاع عن قيمنا ومعتقداتنا في الوقت الذي يزدادا فيه "الآخر القوي" قوة أمام عدم تواجد تخطيط إعلامي جدي في وطننا العربي.
أخيراً : أن البداية في التربية والمدخل إليها هو اللغة، وركيزة كليهما هي الثقافة، ثقافة تكامل المعرفة وصدق الإيمان وكلاهما رهن بتوافر الحرية!!
----------------------------------------
من كتاب إعلام الفضائات والانترنت / مصطفى نمر دعمس
(1) : مصطفى نمر دعمس، حوسبة التعليم ،دار غيداء،عمان- الأردن،2009
(1): Bates، 1995 Eastmond، & ؛ Wulf، 1996.
(1) : د. عباس -2001م .
(2): المرجع السابق نفسه.
(3) : محمد داود،كاتب وباحث فلسطيني ،( التبعية الإعلامية في دول الشرق الأوسط )، صحيفة المثقف ، السنة الثالثة، العدد: 788 ، 05/ 08 / 2008
(4): جمان مجلي: "كيف نحرر صناعة الإعلام العربية من التبعية للسلطة" مؤتمر الإعلاميات العربيات الثاني، الأردن ، 2002 /10/24
المصدر:
http://mustafademes.malware-site.www/elm/archive/2008/8/643239.html