في مطلع هذا القرن , وتحت ضغط الغزو الاستعماري والاحتلال الغربي لديار المسلمين , أُلقيت في رحاب الفكر نظريات ومذاهب , في مجالات اللغة والدين والتراث , وكانت الانطلاقة المجرمة لهذه النظريات والمذاهب الهدامة من خلال الإعلام(1) .
من المؤسف معظم المشاهدين في عالمنا العربي يتابعون بل ينتظرون مسلسل مدبلج .. يُعرض وتتابعه مُعظم العيون بكل شوق ولهفة .. وماينطبق على هذا المسلسل ينطبق على بقية المسلسلات العربية والمدبلجة والأفلام الأُخرى .
وفي هذا المسلسل بكل خبث .. أحيوا اللغات العامية وابتعدوا عن اللغة الأصيلة؛ فإن كان ولا بد أن تكون الدبلجة باللغة العربية الفصيحة.. ؛لأن هدف المستعمرين هو حرب اللغة العربية , لكونها لغة القرآن , وبها تحت صياغة التراث الإسلامي عبر السنين ... وبحيث لا تتمكن اللغة العربية من التوسع بين مسلمي العالم , واتبعوا في ذلك عدة أساليب منها : تشجيع اللغات المحلية واللهجات في معظم البلاد الإسلامية غير العربية لتصبح هي اللغات القومية .(*)
الشر يبدؤه في الأصل أصغرُهُ وليس يصل بنار الحرب جانيها
فإن دور وسائل الإعلام في إعادة اللغة العربية إلى أصالتها قد اتضح في الواقع المعاصر في ضوء الخبرة العالمية. وهناك مشكلات جديدة في الاستخدام اللغوي في الإعلانات وفي بعض المسلسلات، وهي مشكـلات جديـرة بالبحث اللغوي والاجتماعي ووضع الحلول المناسبة لها. هذه القنوات تمثل واقعًا جديدًا، وتعد أدوات مهمة عند حسن الإفادة منها – لترسيخ النمط المنشود للعربية الفصحى المعاصرة المعبرة بدقة عن حضارة العصر ومشكلاته، والمتجاوزة حدود الفئات والاستخدام المحدود إلى استيعاب كل المنطقة العربية، وإلى خدمة ملايين العرب المقيمين في خارجها، وإلى إدماج المناطق ذات الأوضاع اللغوية الخاصة في نسق اللغة والثقافة العربية، وإلى النهوض بتعليم العربية لأبناء اللغات الأخرى، وكلها مهام لغوية لوسائل الإعلام العربية. وكل هذه القضايا تتطلب رؤية واضحة لدور وسائل الإعلام في المجال اللغوي ودراسات متكاملة وتخطيطًا هادفًا وتنفيذًا جادًّا. وهذا جانب مهم على المستوى العربي من التنمية اللغوية.
وإن أثر التلفزيون , يتعمق ويمتد أكثر في طائفتين من الناس : الأميين والأطفال . وأسباب التأثير مشتركة بين الطائفتين تقريباً , وهي الانبهار وفقدان الحصانة الثقافية , وعدم القدرة على الانتقاء والاختيار (2).
إن وسائل الإعلام المختلفة من صحافة , وإذاعة وتلفزيون وسينما , مُسخَّرة اليوم لإشاعة الفاحشة , والإغراء بالجريمة , والسعي بالفساد في الأرض , بما يترتب على ذلك من خلخلة للعقيدة , وتحطيم للأخلاق والقيم والمثل ... وهما ( العقيدة والأخلاق ) أساساً لبناء الإسلام فإذا انهدم الأساس فكيف يقوم البناء .
ومن المؤسف له أيضاً .. أن الأفكار الغربية والعادات الجاهلية قد تغلغت في المجتمعات الإسلامية نتيجة الإعلام .
وهاهي الآن تُعرض في حياتنا اليومية بأخلاق المسلسلات والأفلام الماجنة والخليعة .
فهذا واقع مشهود , يشهده الناس كل يوم وكل لحظة , ويرون بأعينهم آثاره في أولادهم وبناتهم , ويرون كيف يعجزون عن صد آثاره المعجزة , ووقاية أولادهم وبناتهم من تلك الآثار .(3)
ومن أخطر المسلسلات التي تعرض في الفضائيات العربية ،تلك التي تعرض بالخصوص في شهر رمضان التي تحاول بعضها هدم أخلاقيات هذا الدين. ومنها فضائيات متخصصة للأغاني والرقص ولا ننسى البرامج التي من أهدافها الاختلاط .
يقول الأستاذ (( عبدالله التل )) - رحمه الله - : ولقد شهدت بنفسي مسرحيات عربية مُثِّلت , منها مسرحية (( المحروسة )) يظهر فيها شيخ معمم يشرب الويسكي ويلعب القمار في بار الخواجة (( يني )) ويغازل السيدات , والأصابع اليهودية في هذا النوع من الأدب المسرحي واحدة , سواء في أوروبا أو في بلاد العرب , رائدها زعزعة الثقة برجال الدين اللذين يقفون حجر عثرة في طريق التخطيط اليهودي المدمر .(4)
وهكذا فإن رسالة المسرح في العالم الإسلامي تنسف كل ما ينشده الجيل المسلم , من مُثل ومبادئ وأخلاق , وأنَّ ما يبنيه الدعاة إلى الله في أجيال , تستطيع هذه الوسائل المدمرة أن تزلزله في قلوب الناس وأذهانهم في ساعات .(5)
﴿ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [ البقرة : 12 ]
﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ﴾ [ محمد : 30 ]
﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ [ الأعراف : 51 ]
ولا ريب أن هناك زحفاً خطيراً عن طريق الفن والقصة إلى قلب المجتمع الإسلامي وتقوم الصحافة بالدور الأكبر منه , فإن كل المفاهيم المسمومة والضالة تُقدم في سهولة ويسر وبساطة عن طريق هذه الأجهزة , وتستوعب عقول الشباب الغض والمرأة في البيت , وتثير روحاً جديدة مخالفة تماماً لروح الإسلام , هي روح التشاؤم والشك والعنف والرفض والإنكار لكلِّ شيء قائم .(6)
﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [ النحل : 45 ]
﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [ الشعراء : 227 ]
وإذا الذئـاب استنعجت لك مـرةً فحذار منها أن تعود ذئابـا
فالذئب أخبث مايكون إذا اكتسى من جلد أولاد النعاج ثيابـا
في الواقع لم يتغير شيء على المشاهد العربي ، ولا تزال الدولة بالأصالة أو الوكالة تهيمن على وسائل الإعلام وفق نظرية " من يدفع للزمَار " . حتى فضائية الجزيرة لولا تمويل الدولة القطرية ما كانت لتظهر أو لتستمر . ولكن الصيغة الجديدة في الفضائيات الخاصة تمكن الدولة من التحلل من التزاماتها المالية والسياسية أمام مواطنيها .(7)
اذن؛ما هو المطلوب من الأعلام؟
لأن المتلقي أصبح:
أكثر وعيا
أكثر معرفة واطلاعا
يمتلك أدوات ومهارات للبحث
كما أصبح العالم أكثر انفتاح معلوماتيا
أصبحت المنافسة مع أدوات ووسائل كثيرة فضائيا / انترنت
فالمعلومة تعني الاقناع .. والمعلومة لها مصادرها المتعددة مع هذه المنافسة لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقرؤة.
لذلك يجب على الإعلام العربي ان ينطلق نحو الأسس التالية:
1. الالتزام بالإسلام وتصوراته الكاملة للكون والإنسان والحياة .
2. الارتباط الوثيق بتراث أمتنا وتاريخها وحضارة ديننا الإسلامي .
3. تعميق عاطفة الولاء و البراء .
4. يركز الإعلام في رسالته على المؤثر والمتأثر(المرسل والمستقبل) وخاصة – أركان الأسرة العربية ،رسالة خاصة للأطفال والشباب والزوج والزوجة.. .
5. التأكيد على أن اللغة العربية هي الوعاء الرئيسي للخطاب الإعلامي العربي ومستودع ثقافته .
------------------------------------------------------------------------
(1) : الإعلام في ديارالإسلام . د/ يوسف محي الدين ابو هلالة . دار العاصمة . الرياض
(*) : كتب الرئيس الأمريكي نكسون ومنذ عام 1982 في كتابه ( نصر بلا حرب ) يقول:
" اننا الآن قد أجهزنا تماماً على الاتجاه الوطني القومي عبر سلسلة من الاجراءات . ولكن يبدو أنه قد حان الوقت الآن للإجهاز على ما هو أخطر على مصالحنا وتوجهاتنا،لقد آن الآوان للإجهاز على الإسلام.." .للمزيد أنظر أيضاً (حاضر العالم الإسلامي) :. د / تاج السر أحمد . وكذلك ( قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدو أهله ) : جلال العالم.
(2) : ) أساليب الغزو الفكري . علي جريشه
(3) : واقعنا المعاصر . محمد قطب . ص 291
(4) : جذور البلاء . (( الإعلام ))
(5) : الإعلام في ديارالإسلام . د/ يوسف محي الدين ابو هلالة . دار العاصمة . الرياض
(6) : الصحافة والأقلام المسمومة . أنور الجندي . ص 134
(7) : ياسر أبو هلالة، ورقة لندوة : تحرير الإعلام في اليمن – صنعاء ،26 أغسطس 2007م
المصدر:http://mustafademes.malware-site.www/elm/archive/2008/8/643220.html