بالطبع أنت متعجب جداً من هذا الفصل... لكن ستعلم بعد قليل معنى هذا الكلام، وتتيقن أنك يمكن أن تذاكر بأشياء متاحة لديك لكنك بعيد كل البعد عنها.
دائماً ما يستعمل الطلبة والطالبات مركزي البصر والسمع في المذاكرة... وإذا تطور الأمر يستخدم الكفيف مركز الإحساس الجلدي في المذاكرة... وطريقة المذاكرة التي تقي من مرض السكر تستخدم بها مركز الحركة في الذاكرة، لكن... ماذا عن مركز الشم؟! خُذْ شهيقاً عميقاً!!
اكتشفت هذا الأمر منذ ما يزيد عن تسعة شهور، وكان معي الدليل العملي... وبعد تسعة شهور من اكتشافي له قرأت إثبات علمي على الإنترنت!!
إذن هذا الكلام واقعي.... نعم واقعي!!
ذكر ابن القيم في كتابه (الطب النبوي) علاقة الروح بالطيب (العطر – البارفان)، وذكر بأن العطور تسبب السرور نظراً لتلائمها مع الروح.... ولنا في الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة حينما قال: (حبب إليَّ من الدنيا النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة".
أخبرتنا كتب علم النفس المعرفي أن للنسيان أربعة أسباب:
أ. التضاؤل: مرور وقت على المعلومات دون استخدام.
ب. الكتب: رغبة الفرد اللاشعورية في النسيان.
ج. التشويه: إدخال المعلومات بطريقة خطأ.
د. التداخل: تداخل المعلومات نظراً لتقاربها أو تشابهها.
منذ زمن أجرى عكرمة أبحاثه في القرآن عن وظيفة الشيطان... فوجد أن مهمته هي (النزع)، (وإما ينزعنك من الشيطان نزعٌ فاستعذ بالله إنه سميع عليم) (الأعراف: 200).
وبعد قرون... جاء باحث آخر وهو الرازي..... وتوصل إلى أن للشيطان ثلاث مهمات أخرى، وهي التزيين والإغواء.
وبعد مضي قرون جئت لأقول: إن للشيطان وظيفة أخرى جديدة.... ألا وهي النسيان بدليل: (فأنساه الشيطان ذكر ربه) (يوسف: 42)، (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) (الأنعام: 68)، (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) (الكهف: 63).
فأضيف إلى أسباب النسيان سبباً خامساً.... لا ينفصل... فالإنسان منظومة واحدة لا فرق داخل الإنسان بين جانب نفسي وجانب بيولوجي وجانب ديني..... الكلُّ يعمل وفق منظومة واحدة.
ربما تقول: وما علاقة ذلك بالروائح والشم؟!
إنَّ الطيب والروائح الجميلة..... تبعد الأرواح الخبيثة مثل الشياطين، وتقرِّب الأرواح الطيبة مثل الملائكة، وللشيطان كما قلنا أحد أسباب النسيان.... فأنت بالوضوء بالطيب تبعده عنك، والملائكة لها وظيفة، (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا) (الأنفال: 12).
وكما أن الرائحة تنعش الذاكرة وتضاعف الحفظ... أذكر أنه كان لنا أستاذ دائماً يضع رائحة ثابتة ولا يغيرها وهي رائحة مميزة.... ثم انتهت مرحلة تدريسه لنا... وعندما كنت أسير في الشارع والأستاذ سار أو مرَّ بالطريق فملأت رائحة عطره المكان... كنت أتذكر كل حركاته وأيامه.
لماذا؟ هكذا تمَّ ربط الأحداث والذكريات بالروائح..... فالرائحة تذكرك بشيء ما ربطت معه.
عملية ربط الرائحة بملف تسجيل المعلومات في الذاكرة.
عملية تعريضها للرائحة فيفتح الملف تلقائياً، وكأن الرائحة هي مفتاح الملف الذي سجلته.... فعندما ما تشم تلك الرائحة بعد مدة؛ فإنها مفتاح لهذا الملف فيفتح تلقائياً.
وحاسة الشم حاسة حساسة جداً، فقيل إنها أكثر حساسية من حاسة التذوق بمقدار عشرة آلاف مرة.
الروائح لها تأثير على المزاج والعاطفة..... فالروائح الطيبة تنشر السرور والحفظ والمذاكرة وقتها أفضل.... أما الروائح المزعجة تنشر التوتر.